تتسلل أعراض الاحتراق النفسي بهدوء، بداية من التعب المستمر وانعدام الرغبة، مرورًا بالأرق والعصبية الزائدة، إلى الألم الجسدي غير المفسر، غير أن هذه العلامات غالبًا ما تُستخف بها أو تُنكر في ثقافتنا، حيث تُوصم معاناة المرأة بأنها مجرد "تعب عادي" أو "حسد"، مما يعمّق شعور الوحدة والذنب لديها ويمنعها من البحث عن الدعم المناسب.
الصحة النفسية لا تزال موضوعًا حساسًا ومقيدًا في المجتمع المغربي، حيث ترتبط في أذهان الكثيرين بالجنون أو الضعف، مما يدفع النساء إلى إخفاء معاناتهن، كما تروي ليلى، موظفة في قطاع الاتصالات، التي اعتبرت زيارتها للطبيبة النفسية سرًا خوفًا من الوصمة الاجتماعية.
لا تقتصر أسباب الاحتراق النفسي على العمل وحده، فربات البيوت يعانين بشكل خفي من إرهاق مستمر نتيجة مهام يومية بلا نهاية ولا اعتراف، بين الطبخ والتنظيف وتربية الأطفال، دون مكافأة أو توقف، مما يجعل الاحتراق النفسي في المنازل ظاهرة حقيقية لكنها غير معترف بها أو محسوبة ضمن الأولويات المجتمعية.
تتعرض المرأة لضغوط ثقافية مزدوجة، بين التوقعات التقليدية التي تحثها على الصبر والقوة، وبين الواقع العصري الذي يعرضها لمقارنات غير واقعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تبرز صور نساء "مثاليات"، مما يولد لديها شعورًا مستمرًا بالفشل وعدم الكفاية.
التصدي للاحتراق النفسي يتطلب اعترافًا صريحًا بالمشكلة ووعيًا بأن التعب النفسي ليس ضعفًا بل إشارة لضرورة التغيير، إلى جانب تخفيف الضغوط عبر المشاركة في المهام، وطلب الدعم من الأسرة أو المختصين، وتخصيص وقت للراحة والنفسية، سواء كان عبر التأمل، المشي، أو الانخراط في نشاطات ترفيهية تساعد على استعادة التوازن.
على الصعيد المؤسسي، هناك حاجة ملحة لتعزيز الوعي الصحي النفسي في المغرب، من خلال حملات توعوية، إنشاء مراكز دعم نفسي، وتوفير إجازات مرضية للاحتراق النفسي، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للعمل المنزلي ودعم المرأة في كافة أدوارها، لأن دعمها هو دعم للأسرة والمجتمع بأكمله.
الاحتراق النفسي ليس مجرد حالة فردية أو ضعف شخصي، بل هو إنذار واضح بأن التوازن الذي تحتاجه النساء في حياتهن مهدد، وحان الوقت لأن يستمع المجتمع ويقدم الدعم الحقيقي، لأن حق النساء في الراحة والتعبير عن معاناتهن هو حق إنساني وأساس للحياة الكريمة