فخلال عرض قدمته أمام لجنة مراقبة المالية العامة، نبهت الوزيرة إلى أن تسريع الرقمنة دون حماية متوازية للفئات غير المؤهلة رقمياً قد يفتح الباب واسعاً أمام أنواع جديدة من الاحتيال والاختراقات، لا سيما في ظل الانتشار المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي باتت قادرة على تقليد الأصوات والانتحال المؤسسي، واستشهدت السغروشني بمثال واقعي عن سهولة جمع بيانات الهوية من شبكات التواصل، ما يجعل الحسابات البنكية والمعلومات الحساسة عرضة للاستغلال بمجرد معرفة رقم هاتف وتاريخ ازدياد الضحية.
وفي هذا السياق، دعت الوزيرة إلى مقاربة واقعية تأخذ بعين الاعتبار أن ما يقارب نصف ساكنة العالم القروي لا تزال تعاني من الأمية التقليدية، ناهيك عن الأمية الرقمية، ما يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يستطيع هؤلاء فعلاً الاستفادة من خدمات رقمية متقدمة دون مواكبة ودعم؟ وتساءلت: "حتى لو وفرنا الإنترنت، كيف نطلب من غير المتعلمين استعمال الخدمات الرقمية؟"
ولمعالجة هذا الخلل الهيكلي، أطلقت الوزارة عدة مبادرات تستهدف تقليص الفجوة الرقمية، أبرزها تكوين الأطفال من 8 إلى 18 سنة، وتوقيع اتفاقية لتأطير آلاف الشباب المنتمين للجامعة الملكية لكرة القدم في المهارات الرقمية. لكنها في المقابل، أكدت أن الفجوة في المعدات لا تقل خطورة عن الفجوة في المهارات، إذ لا يزال كثير من المواطنين يستعملون هواتف بدائية لا تدعم الجيل الخامس، في حين تتسارع الدولة نحو التحول الكامل إلى الخدمات السحابية المتطورة.
من جهة أخرى، حذّرت الوزيرة من التساهل في دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات العمومية دون تقييم للمخاطر، مشيرة إلى أن "الصوت ليس رمزاً سرياً"، ما يجعل تقنيات المساعدات الصوتية، رغم فائدتها، محفوفة بالمخاطر إذا ما استخدمت من طرف غير مؤهلين رقمياً. وأكدت أن إدماج هذه التقنيات يجب أن يكون مصحوباً بآليات قانونية وأمنية لحماية المستخدمين، خاصة الفئات الهشة.
ولم يكن الأمن السيبراني بعيداً عن أولويات الوزارة، حيث استعرضت السغروشني سلسلة من الإجراءات الاستباقية، بدءاً من إصدار مرسوم خاص بحماية الهيئات الحساسة، مروراً بتنظيم أول مؤتمر وطني حول الحوسبة السحابية، وصولاً إلى إطلاق شراكات مع كبار مزودي الخدمات الرقمية لإنشاء بنية تحتية آمنة، قادرة على تأمين البيانات والمعاملات الرقمية في سياق تزايد الهجمات الإلكترونية عالمياً.
كما أولت الوزارة أهمية خاصة لبناء الكفاءات، من خلال منح آلاف الشهادات في مجالات الأمن الرقمي عبر الأكاديمية الرقمية، والعمل على وضع سياسة وطنية للسحابة الأولية (Cloud First) تنقل الإدارات تدريجياً إلى منظومة مؤمنة ومتطورة رقمياً.
وسط هذه التحولات العميقة، تؤكد السغروشني أن مشروع "المغرب الرقمي 2030" لن ينجح إلا إذا تمت مراعاة التفاوتات المجالية والاجتماعية، داعية إلى أن تكون الانتقادات "واقعية وبنّاءة"، معتبرة أن نجاح الرقمنة لا يُقاس فقط بعدد الخدمات الرقمية، بل بمدى قدرة المجتمع ككل على التفاعل معها بثقة وأمان