في قضية أكادير، اتُّهِم أستاذ جامعي بالتورط في بيع شهادات الماستر كما تُباع تذاكر الحافلات. لكن الأخطر أن هذا الانحراف لا يبدو معزولًا، بل كاشفًا لخلل هيكلي أعمق: انهيار منظومة المحاسبة، غياب الشفافية، وثقافة تطبيعية مع الفساد.
الخلل يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، حين منحت الدولة استقلالية واسعة للجامعات دون ضمانات كافية. هذا الهامش الواسع، خاصة في وحدات التكوين والبحث، تحوّل في بعض الكليات إلى امتيازات تُستغل، حيث لا رقابة ولا محاسبة، سوى نزاهة قد تتآكل بمرور الزمن.
الأدهى أن أكثر من تسعين في المئة من الأساتذة هم موظفون دائمون، محكومون بأجندة أكاديمية مغلقة، بعيدًا عن الممارسات المهنية المتجددة. نادرًا ما يُستعان بخبرات من خارج البيت الأكاديمي، عكس ما يحدث في جامعات دولية تستفيد من تجربة المحامين، المهندسين، الأطباء، والمحاسبين.
هذا الانغلاق خلق طبقة مغلقة على ذاتها، تُمارس نفوذًا دون توازن. لا يُسائلها أحد، ولا يحد من سلوكها جهاز، في ظل غياب حقيقي لمجالس منتخبة فعالة أو ممارسات تقييم دوري نزيه.
الطلاب، في المقابل، وجدوا أنفسهم أمام "معلمين" لا يعلّمون، وأمام "شهادات" لا تشهد إلا على التواطؤ، لا جودة في التكوين، ولا أفق حقيقي لمن يُفترض أن يكونوا نخب الغد.
لكن الأخطر من ذلك كله، هو صمت الجميع. الإدارات الجامعية تلتزم الحياد، النقابات تغض الطرف، الطلاب يتعوّدون على الصمت، والوزارة الوصية تُفضّل ألا ترى. وحين تنفجر الفضيحة، كما في أكادير، تُعامل كحادث فردي لا كبنية مريضة.
ومع ذلك، لا شيء يردع. فالشهادات ما زالت تُوزّع، والبعض ممن نالها بهذه الطرق يُعيّن في مناصب القرار، يُنتخب، يُقنّن، بل أحيانًا يُقاضي. وهكذا يصبح الخطر مؤسساتيًا: قرارات مغلوطة، سياسات مبنية على جهل، وإدارة عمومية تفتقر للكفاءة.
السلطة التنفيذية لم تُعلّق، ورئيس الحكومة التزم الصمت باسم استقلالية القضاء. هذا موقف يمكن تفهمه، لكن كان من الواجب استثماره سياسيًا، بإعلان فتح تحقيقات شاملة في مؤسسات التعليم العالي الأخرى، واستعادة الثقة المفقودة.
أما تجاهل أصل الداء – من زبونية، وفراغ رقابي، وتمركز مَرَضي للسلطة الأكاديمية – فهو ضرب من الإنكار، ونعلم من التجارب السابقة أن الإنكار هو أول مراحل الانهيار.
لذلك، فالمعركة اليوم أخلاقية بامتياز: لاستعادة هيبة الجامعة، وإعادة الاعتبار للشهادة، وتكريم الجهد. يتطلب ذلك إصلاحًا حقيقيًا، يبدأ بتطهير البنية من الداخل، وفتح الجامعة على الكفاءات الخارجية، وتعزيز آليات التقييم، وتشجيع ثقافة الإبلاغ عن التجاوزات
الخلل يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، حين منحت الدولة استقلالية واسعة للجامعات دون ضمانات كافية. هذا الهامش الواسع، خاصة في وحدات التكوين والبحث، تحوّل في بعض الكليات إلى امتيازات تُستغل، حيث لا رقابة ولا محاسبة، سوى نزاهة قد تتآكل بمرور الزمن.
الأدهى أن أكثر من تسعين في المئة من الأساتذة هم موظفون دائمون، محكومون بأجندة أكاديمية مغلقة، بعيدًا عن الممارسات المهنية المتجددة. نادرًا ما يُستعان بخبرات من خارج البيت الأكاديمي، عكس ما يحدث في جامعات دولية تستفيد من تجربة المحامين، المهندسين، الأطباء، والمحاسبين.
هذا الانغلاق خلق طبقة مغلقة على ذاتها، تُمارس نفوذًا دون توازن. لا يُسائلها أحد، ولا يحد من سلوكها جهاز، في ظل غياب حقيقي لمجالس منتخبة فعالة أو ممارسات تقييم دوري نزيه.
الطلاب، في المقابل، وجدوا أنفسهم أمام "معلمين" لا يعلّمون، وأمام "شهادات" لا تشهد إلا على التواطؤ، لا جودة في التكوين، ولا أفق حقيقي لمن يُفترض أن يكونوا نخب الغد.
لكن الأخطر من ذلك كله، هو صمت الجميع. الإدارات الجامعية تلتزم الحياد، النقابات تغض الطرف، الطلاب يتعوّدون على الصمت، والوزارة الوصية تُفضّل ألا ترى. وحين تنفجر الفضيحة، كما في أكادير، تُعامل كحادث فردي لا كبنية مريضة.
ومع ذلك، لا شيء يردع. فالشهادات ما زالت تُوزّع، والبعض ممن نالها بهذه الطرق يُعيّن في مناصب القرار، يُنتخب، يُقنّن، بل أحيانًا يُقاضي. وهكذا يصبح الخطر مؤسساتيًا: قرارات مغلوطة، سياسات مبنية على جهل، وإدارة عمومية تفتقر للكفاءة.
السلطة التنفيذية لم تُعلّق، ورئيس الحكومة التزم الصمت باسم استقلالية القضاء. هذا موقف يمكن تفهمه، لكن كان من الواجب استثماره سياسيًا، بإعلان فتح تحقيقات شاملة في مؤسسات التعليم العالي الأخرى، واستعادة الثقة المفقودة.
أما تجاهل أصل الداء – من زبونية، وفراغ رقابي، وتمركز مَرَضي للسلطة الأكاديمية – فهو ضرب من الإنكار، ونعلم من التجارب السابقة أن الإنكار هو أول مراحل الانهيار.
لذلك، فالمعركة اليوم أخلاقية بامتياز: لاستعادة هيبة الجامعة، وإعادة الاعتبار للشهادة، وتكريم الجهد. يتطلب ذلك إصلاحًا حقيقيًا، يبدأ بتطهير البنية من الداخل، وفتح الجامعة على الكفاءات الخارجية، وتعزيز آليات التقييم، وتشجيع ثقافة الإبلاغ عن التجاوزات