أول ما يلفت الانتباه هو حجم الجالية المغربية في الخارج وثقلها الاقتصادي. بحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، بلغ عدد المغاربة المقيمين بالخارج خمسة ملايين وأربعمائة ألف شخص عام ألفين وعشرين، أي ما يقارب خمسة عشر في المائة من مجموع السكان. هؤلاء ليسوا مجرد عمال مهاجرين، بل بينهم مهندسون وأطباء ورجال أعمال وعلماء يساهمون في مشاريع كبرى في أوروبا وأمريكا الشمالية والخليج. الأهم من ذلك أن تحويلاتهم المالية بلغت، في عام ألفين وأربعة وعشرين، ما يزيد على مئة وسبعة عشر مليار درهم، وهو رقم يعادل ما يقرب من ثمانية في المائة من الناتج الداخلي الخام. هذا الارتباط المالي يعبر عن ولاء عميق للوطن. لكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة، يشعر كثيرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
الدستور المغربي لعام ألفين وأحد عشر اعترف صراحة بحقوق مغاربة الخارج في التصويت والترشح للانتخابات. المادتان سبعة عشر وثمانية عشر تنصان على ضرورة إشراكهم في المؤسسات المنتخبة وتشجيع مشاركتهم في أجهزة الحكامة. ومع ذلك، يبقى تفعيل هذه الحقوق شبه غائب. كي يمارس المواطن المقيم في باريس أو مونتريال حقه في التصويت، يجب عليه التسجيل في اللوائح الانتخابية بالمغرب، ثم السفر إلى الوطن يوم الاقتراع، أو منح وكالة لأحد أقاربه. أما التصويت الإلكتروني أو إنشاء مكاتب اقتراع في القنصليات، فيبقيان مجرد أفكار لم ترَ النور. الكثيرون يعتبرون هذه الإجراءات تعجيزية، إذ لا يُعقل أن يقطعوا آلاف الكيلومترات أو يسلّموا أصواتهم لأشخاص آخرين من أجل ورقة اقتراع.
ولتهدئة الاحتجاجات، أقر المشرع عام ألفين وواحد وعشرين إجراءً جديدًا يجبر الأحزاب على ترشيح امرأة مقيمة بالخارج على رأس إحدى لوائحها الجهوية إذا أرادت الاستفادة من التمويل العمومي. هذه الخطوة أثمرت انتخاب بعض النسوة من المهجر، لكنها لم تغيّر الوضع جذريًا. العديد من الأحزاب وضعت المرشحات في دوائر شبه مستحيلة للفوز، مما جعل حضورهن في البرلمان رمزيًا أكثر منه حقيقيًا. دون عقوبات صارمة وآليات شاملة، تظل هذه المبادرات تجميلية ولا تمثل حلًا لمشكلة التمثيل.
كثير من المراقبين يلقون باللوم على الأحزاب السياسية التي تظل حبيسة حسابات محلية وشبكات زبونية. القادة المحليون يخشون منافسة الكفاءات القادمة من الخارج ويعتبرونها دخيلة على قواعد اللعبة. كما أن تعبئة الناخبين في أوروبا أو أمريكا الشمالية تتطلب موارد مالية وتنظيمية لا تريد الأحزاب تحملها. بذلك، يظل خطاب «المغاربة المقيمون بالخارج ركيزة الاقتصاد» مجرد شعار لا يتبعه فعل ملموس. بعض الأحزاب حاولت تنظيم لقاءات في باريس وبروكسل، لكنها لم تستطع كسب ثقة الجالية، التي ترى أنها لا تُستدعى إلا عند اقتراب الانتخابات.
في المقابل، لجأت دول أخرى إلى نماذج مبتكرة لتمثيل جالياتها. فرنسا خصصت إحدى عشرة دائرة انتخابية للمغتربين، ما يمنحهم مقاعد في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. إيطاليا سبقتها بأكثر من عشرين عامًا حين خصصت دوائر لأوروبا والأمريكيتين وأفريقيا وآسيا، بحيث ينتخب الإيطاليون بالخارج اثني عشر نائبًا وستة أعضاء في مجلس الشيوخ. أما البرتغال فيحتفظ بأربعة مقاعد لشتاتها، إلى جانب مجلس استشاري منتخب يشرف على قضاياهم. هذه التجارب أظهرت أنه يمكن الموازنة بين متطلبات الداخل ومصالح الخارج دون المساس بسيادة الدولة.
ما هي الحلول الممكنة للمغرب؟ هناك من يقترح اعتماد نظام الحصص وتخصيص ثلث مقاعد البرلمان للمترشحين من الجالية. البعض يرى في ذلك فرصة لتجديد النخب السياسية وجذب خبرات عالمية، فيما يحذّر آخرون من خلق طبقة سياسية منفصلة عن الواقع المحلي. بديل آخر يتمثل في إنشاء دوائر انتخابية عابرة للحدود، بحيث يتمكن المقيمون في أوروبا أو الخليج من انتخاب ممثليهم مباشرة عبر السفارات والقنصليات أو من خلال التصويت الإلكتروني المؤمّن. كذلك، تبرز فكرة إنشاء أمانة دولة خاصة بشؤون مغاربة العالم، تكون مرتبطة مباشرة برئاسة الحكومة، لتنسيق السياسات وتسهيل المساطر الإدارية. إلى جانب ذلك، يمكن إدماج ممثلين عن الجالية في المجالس الجهوية بالمناطق التي تعرف هجرة واسعة مثل فاس مكناس وخنيفرة بني ملال وطنجة تطوان الحسيمة، لربط الجسور بين التنمية المحلية والمساهمات المالية للمهجر.
الخلاصة أن مشاركة مغاربة العالم في الحياة السياسية ليست ترفًا ولا مجاملة، بل ضرورة ديمقراطية واستراتيجية. الاعتراف الرمزي بجهودهم لم يعد كافيًا، ولا يمكن الاستمرار في اعتبارهم مجرد صرّافين. إنهم رأسمال بشري وثقافي واقتصادي يمكن أن يعزز موقع المغرب دوليًا ويضخ أفكارًا جديدة في مناظرة وطنية تحتاج إلى التجديد. الأجيال الجديدة من أبناء الجالية، التي نشأت بين ثقافتين، تحمل تصورًا مختلفًا للمواطنة والديمقراطية. إذا أردنا أن نظل بلدًا منفتحًا وطموحًا، علينا أن نستمع إليهم، وأن نمنحهم فضاءات للمشاركة الفعلية في صياغة مستقبل المملكة.
الدستور المغربي لعام ألفين وأحد عشر اعترف صراحة بحقوق مغاربة الخارج في التصويت والترشح للانتخابات. المادتان سبعة عشر وثمانية عشر تنصان على ضرورة إشراكهم في المؤسسات المنتخبة وتشجيع مشاركتهم في أجهزة الحكامة. ومع ذلك، يبقى تفعيل هذه الحقوق شبه غائب. كي يمارس المواطن المقيم في باريس أو مونتريال حقه في التصويت، يجب عليه التسجيل في اللوائح الانتخابية بالمغرب، ثم السفر إلى الوطن يوم الاقتراع، أو منح وكالة لأحد أقاربه. أما التصويت الإلكتروني أو إنشاء مكاتب اقتراع في القنصليات، فيبقيان مجرد أفكار لم ترَ النور. الكثيرون يعتبرون هذه الإجراءات تعجيزية، إذ لا يُعقل أن يقطعوا آلاف الكيلومترات أو يسلّموا أصواتهم لأشخاص آخرين من أجل ورقة اقتراع.
ولتهدئة الاحتجاجات، أقر المشرع عام ألفين وواحد وعشرين إجراءً جديدًا يجبر الأحزاب على ترشيح امرأة مقيمة بالخارج على رأس إحدى لوائحها الجهوية إذا أرادت الاستفادة من التمويل العمومي. هذه الخطوة أثمرت انتخاب بعض النسوة من المهجر، لكنها لم تغيّر الوضع جذريًا. العديد من الأحزاب وضعت المرشحات في دوائر شبه مستحيلة للفوز، مما جعل حضورهن في البرلمان رمزيًا أكثر منه حقيقيًا. دون عقوبات صارمة وآليات شاملة، تظل هذه المبادرات تجميلية ولا تمثل حلًا لمشكلة التمثيل.
كثير من المراقبين يلقون باللوم على الأحزاب السياسية التي تظل حبيسة حسابات محلية وشبكات زبونية. القادة المحليون يخشون منافسة الكفاءات القادمة من الخارج ويعتبرونها دخيلة على قواعد اللعبة. كما أن تعبئة الناخبين في أوروبا أو أمريكا الشمالية تتطلب موارد مالية وتنظيمية لا تريد الأحزاب تحملها. بذلك، يظل خطاب «المغاربة المقيمون بالخارج ركيزة الاقتصاد» مجرد شعار لا يتبعه فعل ملموس. بعض الأحزاب حاولت تنظيم لقاءات في باريس وبروكسل، لكنها لم تستطع كسب ثقة الجالية، التي ترى أنها لا تُستدعى إلا عند اقتراب الانتخابات.
في المقابل، لجأت دول أخرى إلى نماذج مبتكرة لتمثيل جالياتها. فرنسا خصصت إحدى عشرة دائرة انتخابية للمغتربين، ما يمنحهم مقاعد في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. إيطاليا سبقتها بأكثر من عشرين عامًا حين خصصت دوائر لأوروبا والأمريكيتين وأفريقيا وآسيا، بحيث ينتخب الإيطاليون بالخارج اثني عشر نائبًا وستة أعضاء في مجلس الشيوخ. أما البرتغال فيحتفظ بأربعة مقاعد لشتاتها، إلى جانب مجلس استشاري منتخب يشرف على قضاياهم. هذه التجارب أظهرت أنه يمكن الموازنة بين متطلبات الداخل ومصالح الخارج دون المساس بسيادة الدولة.
ما هي الحلول الممكنة للمغرب؟ هناك من يقترح اعتماد نظام الحصص وتخصيص ثلث مقاعد البرلمان للمترشحين من الجالية. البعض يرى في ذلك فرصة لتجديد النخب السياسية وجذب خبرات عالمية، فيما يحذّر آخرون من خلق طبقة سياسية منفصلة عن الواقع المحلي. بديل آخر يتمثل في إنشاء دوائر انتخابية عابرة للحدود، بحيث يتمكن المقيمون في أوروبا أو الخليج من انتخاب ممثليهم مباشرة عبر السفارات والقنصليات أو من خلال التصويت الإلكتروني المؤمّن. كذلك، تبرز فكرة إنشاء أمانة دولة خاصة بشؤون مغاربة العالم، تكون مرتبطة مباشرة برئاسة الحكومة، لتنسيق السياسات وتسهيل المساطر الإدارية. إلى جانب ذلك، يمكن إدماج ممثلين عن الجالية في المجالس الجهوية بالمناطق التي تعرف هجرة واسعة مثل فاس مكناس وخنيفرة بني ملال وطنجة تطوان الحسيمة، لربط الجسور بين التنمية المحلية والمساهمات المالية للمهجر.
الخلاصة أن مشاركة مغاربة العالم في الحياة السياسية ليست ترفًا ولا مجاملة، بل ضرورة ديمقراطية واستراتيجية. الاعتراف الرمزي بجهودهم لم يعد كافيًا، ولا يمكن الاستمرار في اعتبارهم مجرد صرّافين. إنهم رأسمال بشري وثقافي واقتصادي يمكن أن يعزز موقع المغرب دوليًا ويضخ أفكارًا جديدة في مناظرة وطنية تحتاج إلى التجديد. الأجيال الجديدة من أبناء الجالية، التي نشأت بين ثقافتين، تحمل تصورًا مختلفًا للمواطنة والديمقراطية. إذا أردنا أن نظل بلدًا منفتحًا وطموحًا، علينا أن نستمع إليهم، وأن نمنحهم فضاءات للمشاركة الفعلية في صياغة مستقبل المملكة.