واحتضنت ساحة القاعة المغطاة قلب هذه الأمسية المبهرة، التي تحولت إلى مسرح مفتوح تنبعث منه أنغام تنهل من عمق الذاكرة الصحراوية وتتلاقى مع الإيقاعات العالمية. فنانين مغاربة وأجانب أبدعوا في تقديم عروض موسيقية جسدت مزيجاً غنياً بين الأصالة والانفتاح، في مشهد كرّس محاميد الغزلان كجسر حقيقي بين الثقافات.
افتتح السهرة الفنان الصحراوي محمد عالي عيلا، ابن مدينة السمارة، الذي أمتع الجمهور بمزيج موسيقي متجانس بين المقامات الحسانية الأصيلة والتوزيع الموسيقي المعاصر، ما جعله يحصد تفاعلاً واسعاً من الحضور، الذي لم يخف إعجابه بالتوليفة الفنية التي قدمها.
وعقب ذلك، اعتلت الخشبة الثنائي المغربي سارة وإسماعيل، اللذان قدما عرضاً فنياً استلهم من الثقافة الأمازيغية نغماتها، واستحضر من جبال الأطلس صدى روحها القديمة. أما الفنان المغربي المجري سعيد شلبان فقد حمل الجمهور إلى عوالم موسيقى كناوة بطقوسها الآسرة، التي تماهت مع رهبة الصحراء ودفئها، قبل أن تختتم السهرة بالفنان الجزائري قادر ترهانين الذي أطلق العنان لصوت الطوارق، بأنغام مشبعة بثقافة الجنوب الكبير والروح البدوية الحرة.
في حديثه بعد السهرة، عبّر محمد عالي عيلا عن فخره بالمشاركة في هذا الحدث قائلاً: "الفن الحساني هو مرآة لذاكرتنا، وأنا أحرص على تقديمه بروح حديثة تضمن له امتداداً أوسع"، مضيفاً أن مهرجان الرحل يشكل محطة مركزية لترسيخ هذا الموروث داخل المشهد الثقافي المغربي، وربطه بالأجيال الجديدة.
من بين الحضور، فيليب، زائر فرنسي جاء لأول مرة إلى محاميد الغزلان، عبّر عن اندهاشه قائلاً: "سمعت كثيراً عن مهرجان الرحل، لكنني لم أتصور أن أعيش هذه التجربة الفريدة. الموسيقى، الحفاوة، والصدق الإنساني... كل شيء هنا أصيل".
وبهذا الحفل، يواصل المهرجان، الذي وُلد من رحم الصحراء، أداء رسالته في تكريم التقاليد الرحلية كهوية نابضة، وفي ترسيخ دور الثقافة كأداة للتقارب بين الشعوب. فطيلة عشرين سنة، ظل مهرجان الرحل موعداً قاراً للانفتاح والتنوع، وفضاءً تلتقي فيه القوافل الفنية والإنسانية، راسماً بذلك صورة حضارية لجنوب المغرب باعتباره نقطة التقاء حضارات وروح تسكنها الحرية.