ويأتي هذا الحدث في سياق دينامية ثقافية متجددة تعيشها العاصمة المغربية، التي تسعى إلى تعزيز جسور التبادل الثقافي مع بلدان ضفتي المتوسط، لاسيما في مجال الموسيقى الكلاسيكية والشعبية الراقية. واختارت الجهة المنظمة أن تفتتح أولى دورات المهرجان بتكريم باريديس، الرجل الذي صنع ثورة موسيقية في عالم الغيتار البرتغالي، وتحول إلى مرجع فني تتقاطع عنده الأجيال المختلفة.
يحمل المهرجان في طياته بعدًا رمزيًا وثقافيًا عميقًا، إذ يشكل مناسبة للتعريف بتراث كارلوس باريديس، الذي لم يكن مجرد عازف، بل مؤلف موسيقي بصم على مسار فني متفرد جمع بين البراعة التقنية والعمق الإنساني. وتندرج هذه المبادرة أيضًا ضمن إرادة واضحة لجعل الرباط منصة للفن الراقي والانفتاح الثقافي على تجارب موسيقية أصيلة وعالمية في آن.
ستتوزع فعاليات المهرجان على مدى يومين بالمسرح الوطني محمد الخامس، حيث ينطلق البرنامج يوم الخميس 18 شتنبر بندوة فكرية في الساعة السادسة والنصف مساءً يؤطرها الباحث باولو سواريس تحت عنوان "أهمية باريديس في تطوير الغيتار البرتغالي المعاصر" تسلط الضوء على التأثيرات الجمالية والتقنية التي أحدثها باريديس في هذا اللون الموسيقي
ويلي ذلك في الساعة الثامنة مساءً حفل موسيقي تكريمي يحييه كل من العازف لويس غريرو والباحث الموسيقي باولو سواريس والمغنية الشابة بياتريس فييار حيث يعيدون إحياء أشهر مقطوعات باريديس بأسلوب فني معاصر أما يوم الجمعة 19 شتنبر فسيُعرض الفيلم الوثائقي Movimentos Perpétuos للمخرج إدغار بيرا عند الساعة السادسة والنصف مساءً وهو عمل سينمائي يؤرخ لمسار باريديس الفني عبر أرشيفات نادرة وشهادات موسيقيين بارزين، ويُختتم المهرجان في الساعة الثامنة مساءً بحفل غنائي تؤديه الفنانة فيليبا فييرا التي تمثل الجيل الجديد من فناني "الفادو" في تجسيد حي للتواصل الفني بين الماضي والحاضر
ولا تقتصر أهمية هذا المهرجان على بعده الفني فحسب، بل إنه يعكس أيضًا العلاقات المتينة بين المغرب والبرتغال، والعناية المشتركة بالموروث الثقافي، حيث لطالما شكلت الموسيقى وسيلة للتقارب والحوار بين الشعوب. فتكريم فنان من طينة كارلوس باريديس في بلد مثل المغرب، يؤكد انفتاح الفضاء الثقافي المغربي على رموز فنية عالمية والاعتراف بقيمتها الإنسانية والجمالية.
وتأتي هذه المبادرة لتغني الأجندة الثقافية للعاصمة، التي اختيرت سنة 2022 عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، وسبق لها أن استقبلت تظاهرات دولية كبرى، ما يجعلها مرشحة بقوة لتكون قطبًا فنيًا إقليميًا في السنوات المقبلة. كما يشكل مهرجان "كارلوس باريديس" إضافة نوعية في المشهد الثقافي المغربي، لما يحمله من بعد تعليمي وتحسيسي بأهمية الحفاظ على الذاكرة الموسيقية المشتركة