بقلم: سعيد التمسماني
إن مفهوم الملاءمة، في هذا السياق، يتجاوز المعنى التقني المرتبط بمدى استفادة صانعي القرار من الأبحاث والتقارير، ليشمل قدرة مراكز التفكير على إقناع الرأي العام بقيمة المعرفة المنتَجة وجدواها العملية. فالقضايا الكبرى، من قبيل إصلاح النظام المالي الدولي، أو التغير المناخي، أو التدفقات المالية غير المشروعة، لا يمكن أن تظل حبيسة خطاب تجريدي موجَّه للنخب، بل ينبغي ربطها بآثارها الملموسة على حياة الأفراد، لا سيما داخل المجتمعات التي تعاني من اختلالات بنيوية، كاتساع الفوارق الاجتماعية وارتفاع معدلات البطالة، خصوصًا في صفوف الشباب. فحين تفشل المعرفة في ترجمة نفسها إلى معنى اجتماعي قابل للإدراك، تفقد جزءًا أساسيًا من مشروعيتها.
وتُظهر التجارب المقارنة، خاصة في سياقات دول الجنوب، أن انفتاح الحكومات على مراكز التفكير يمثل خطوة إيجابية، لكنه يظل غير كافٍ إذا لم يُدعَّم بانخراط أوسع لمختلف الفاعلين الاجتماعيين. فالتفاعل الحقيقي لا يتحقق فقط عبر القنوات الرسمية، بل يتطلب إشراك الفئات الشابة، والمجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين، بوصفهم أطرافًا معنية مباشرة بنتائج السياسات العامة. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجيات التواصل المعرفي، إذ لم يعد التقرير الأكاديمي أو المذكرة السياسية غاية في حد ذاتهما، بل مجرد نقطة انطلاق ضمن مسار أطول من التفاعل والتأثير.
إن التحدي المطروح اليوم يتمثل في كيفية تبسيط المعرفة دون تسطيحها، وجعلها في متناول جمهور أوسع دون التفريط في عمقها التحليلي. فالابتكار في أدوات إيصال الأفكار، سواء عبر الوسائط الرقمية أو الصيغ التفاعلية، لم يعد خيارًا ثانويًا، بل أصبح شرطًا أساسيًا للفاعلية في عالم سريع التحول، تتنافس فيه السرديات بقدر ما تتنافس فيه المصالح.
ومن زاوية تاريخية وفكرية أعمق، يمكن القول إن الإشكال لا يقتصر على أداء مراكز التفكير بحد ذاتها، بل يرتبط بأزمة شرعية أوسع تطال المنظومات الحاكمة، ووسائل الإعلام الكبرى، بل وحتى النظام الدولي القائم على القواعد. فضعف الثقة في المؤسسات لم يعد ظاهرة معزولة، بل سمة بنيوية للمرحلة الراهنة. واستحضار الجذور التاريخية لتبادل الأفكار، منذ العصور التي كانت فيها القوافل والمراكز العلمية فضاءات مفتوحة لتداول المعرفة، يذكّر بأن الفكر لم يكن يومًا حكرًا على النخب، بل كان دومًا نتاج تفاعل حيّ بين المعرفة والواقع.
وعليه، فإن استعادة الدور الحيوي لمراكز التفكير تقتضي تجاوز منطق الإنتاج المعرفي المغلق، والانتقال نحو نموذج أكثر انفتاحًا وتشاركية، يعيد وصل المعرفة بالواقع، ويمنحها معنى اجتماعيًا وسياسيًا متجددًا. ففي زمن تتآكل فيه الثقة، لا يكفي أن تكون الأفكار صحيحة أو دقيقة، بل يجب أن تكون أيضًا مفهومة، ومقنعة، وذات صلة مباشرة بحياة الناس.
وتُظهر التجارب المقارنة، خاصة في سياقات دول الجنوب، أن انفتاح الحكومات على مراكز التفكير يمثل خطوة إيجابية، لكنه يظل غير كافٍ إذا لم يُدعَّم بانخراط أوسع لمختلف الفاعلين الاجتماعيين. فالتفاعل الحقيقي لا يتحقق فقط عبر القنوات الرسمية، بل يتطلب إشراك الفئات الشابة، والمجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين، بوصفهم أطرافًا معنية مباشرة بنتائج السياسات العامة. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجيات التواصل المعرفي، إذ لم يعد التقرير الأكاديمي أو المذكرة السياسية غاية في حد ذاتهما، بل مجرد نقطة انطلاق ضمن مسار أطول من التفاعل والتأثير.
إن التحدي المطروح اليوم يتمثل في كيفية تبسيط المعرفة دون تسطيحها، وجعلها في متناول جمهور أوسع دون التفريط في عمقها التحليلي. فالابتكار في أدوات إيصال الأفكار، سواء عبر الوسائط الرقمية أو الصيغ التفاعلية، لم يعد خيارًا ثانويًا، بل أصبح شرطًا أساسيًا للفاعلية في عالم سريع التحول، تتنافس فيه السرديات بقدر ما تتنافس فيه المصالح.
ومن زاوية تاريخية وفكرية أعمق، يمكن القول إن الإشكال لا يقتصر على أداء مراكز التفكير بحد ذاتها، بل يرتبط بأزمة شرعية أوسع تطال المنظومات الحاكمة، ووسائل الإعلام الكبرى، بل وحتى النظام الدولي القائم على القواعد. فضعف الثقة في المؤسسات لم يعد ظاهرة معزولة، بل سمة بنيوية للمرحلة الراهنة. واستحضار الجذور التاريخية لتبادل الأفكار، منذ العصور التي كانت فيها القوافل والمراكز العلمية فضاءات مفتوحة لتداول المعرفة، يذكّر بأن الفكر لم يكن يومًا حكرًا على النخب، بل كان دومًا نتاج تفاعل حيّ بين المعرفة والواقع.
وعليه، فإن استعادة الدور الحيوي لمراكز التفكير تقتضي تجاوز منطق الإنتاج المعرفي المغلق، والانتقال نحو نموذج أكثر انفتاحًا وتشاركية، يعيد وصل المعرفة بالواقع، ويمنحها معنى اجتماعيًا وسياسيًا متجددًا. ففي زمن تتآكل فيه الثقة، لا يكفي أن تكون الأفكار صحيحة أو دقيقة، بل يجب أن تكون أيضًا مفهومة، ومقنعة، وذات صلة مباشرة بحياة الناس.
الرئيسية















