أخبار بلا حدود

ملف غار جبيلات: بين الاتفاقيات التاريخية والتوترات السياسية الراهنة


في خضم الأزمة الداخلية التي تعصف بالجزائر، وفي ظل التوتر المستمر في العلاقات الجزائرية مع محيطها الإقليمي، أعادت السلطات الجزائرية فتح ملف غار جبيلات، المنجم الضخم للحديد الواقع على الحدود المغربية الجزائرية، والذي تنظمه اتفاقية تاريخية موقعة بين البلدين في الرباط بتاريخ 15 يونيو 1972. هذه الاتفاقية نصت على استثمار مشترك للمنجم في إطار تعاون اقتصادي يعكس حسن النية بين الطرفين، إلا أن التحركات الجزائرية الأخيرة أثارت العديد من التساؤلات حول أهدافها الحقيقية.



اتفاقية 1972: أسس التعاون المشترك
الاتفاقية المغربية الجزائرية، التي نُشرت في الجريدة الرسمية الجزائرية بتاريخ 15 يونيو 1973، نصت على تأسيس شركة مشتركة بين البلدين لاستغلال منجم غار جبيلات. وقد كان هذا التعاون جزءًا من اتفاق أوسع لترسيم الحدود بين البلدين، حيث أبدى المغرب تساهلًا كبيرًا في قضية المناطق التي ضمها الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر (مثل تندوف وبشار)، مقابل استفادة مشتركة من خيرات غار جبيلات.

ومع أن الاتفاقية كانت تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجارتين، إلا أن التحركات الجزائرية الأخيرة لإحياء الملف بعيدًا عن المغرب أثارت الشكوك حول نواياها، خاصة في ظل التوترات السياسية المستمرة بين البلدين.

التحركات الجزائرية: مشروع السكة الحديدية بشار-تندوف
أعلنت السلطات الجزائرية مؤخرًا عن تقدم كبير في مشروع السكة الحديدية الذي يربط بشار بتندوف وغار جبيلات، وهو مشروع استراتيجي يهدف إلى نقل خام الحديد لمسافة تصل إلى 950 كلم نحو ميناء أرزيو. وقد أكدت مصادر إعلامية محلية أن العملية في مراحلها الأخيرة لتحديد الأملاك والحقوق العقارية المراد نزع ملكيتها من أجل تخصيص الأراضي لهذا المشروع.

هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول مدى التزام الجزائر ببنود اتفاقية 1972، خاصة أن الاتفاقية تنص على تعاون مشترك بين البلدين لاستغلال المنجم، وهو ما يبدو أن الجزائر تتجاوزه من خلال تحركاتها الأحادية.

تصريحات مستفزة ومساعٍ جديدة
خرج المدير العام المساعد للشركة الوطنية للحديد والصلب، رضا بلحاج، بتصريحات وصفها البعض بالمستفزة، حيث أكد أن مشروع غار جبيلات سيسمح باستحداث آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، وسيكون ورقة رابحة ضمن خطة الحكومة الجزائرية للتخلص من التبعية للمحروقات. كما أشار إلى أن الجزائر بدأت في حجز مراتب متقدمة ضمن قائمة كبار الموردين للحديد عالميًا.

إلى جانب ذلك، تسارعت وتيرة أشغال إنجاز خط السكة الحديدية بشار-تندوف، وسط تسخير وسائل مادية وبشرية جديدة من قبل الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية "أنسريف". هذه التحركات أثارت الشكوك حول مدى التزام الجزائر بالاتفاقية التاريخية، خاصة أن المادة 17 منها تنص على رفع أي نزاع بين الطرفين إلى محكمة العدل الدولية.

المادة 17: مفتاح إعادة المفاوضات
تشير المادة 17 من اتفاقية 1972 إلى أنه في حال وقوع نزاع بين الطرفين بشأن تأويل الاتفاقية أو تطبيقها، يتم رفع النزاع إلى محكمة العدل الدولية للبث فيه. هذه المادة تعتبر أساسية، حيث يمكن أن تُعيد فتح ملف الحدود الشرقية بين البلدين، بما في ذلك مراجعة التنازل المغربي عن مناطق تندوف وبشار، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة المفاوضات من نقطة الصفر.

فشل المناورات الجزائرية
على الرغم من الجهود الجزائرية لإحياء ملف غار جبيلات وعقد اتفاقيات مع دول كبرى لاستغلال المنجم، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل. فقد رفضت دول مثل الصين، تركيا، فرنسا، روسيا، وحتى الولايات المتحدة الدخول في شراكات مع النظام الجزائري لاستغلال المنجم، مشيرة إلى عدم وضوح الرؤية القانونية والسياسية المحيطة بالمشروع.

إعادة فتح ملف غار جبيلات من قبل السلطات الجزائرية في ظل التوترات السياسية الراهنة يثير العديد من التساؤلات حول أهداف هذه الخطوة. وبينما تسعى الجزائر لتقديم المشروع كجزء من خطتها الاقتصادية، فإن تجاوزها لاتفاقية 1972 قد يؤدي إلى تداعيات قانونية وسياسية خطيرة، خاصة أن المغرب يحتفظ بحق اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لحسم النزاع.

وفي ظل هذه التحركات، يبقى ملف غار جبيلات شاهدًا على تعقيد العلاقات المغربية الجزائرية، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية مع الحسابات السياسية، مما يجعل من الصعب تحقيق تعاون حقيقي ومستدام بين البلدين.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 17 يوليو/جويلية 2025
في نفس الركن