ويُحظر بموجب هذا القانون على أي شركة فرنسية أو أجنبية، إجراء مكالمات تسويقية لأي مواطن فرنسي ما لم يمنح موافقته الصريحة والمسبقة، كما يجرّم إرسال الرسائل النصية والبريد الإلكتروني والعروض عبر وسائل التواصل الاجتماعي في حال عدم وجود موافقة واضحة من المستهلك. ويُنتظر أن تطال العقوبات المخالفين بغرامات تصل إلى 75 ألف يورو بالنسبة للأفراد، و375 ألف يورو بالنسبة للشركات، فيما قد ترتفع العقوبة إلى 500 ألف يورو والسجن خمس سنوات إذا ثبت استغلال المستهلك أو الإضرار به.
وفي ظل هذه التطورات، يُدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل مراكز النداء المغربية، التي تُعد من بين أبرز قطاعات التشغيل في المملكة، ووفقًا لأيوب سعود، الكاتب العام للجامعة الوطنية لمستخدمي وأطر مراكز النداء ومهن الأوفشورينغ، فإن هذا القانون من شأنه أن يؤدي إلى "نزيف كبير" في مناصب الشغل، معتبراً أن عدداً كبيراً من هذه المراكز قد يُجبر على الإغلاق، خاصة تلك التي يعتمد نشاطها بالكامل على التسويق الهاتفي الموجه للسوق الفرنسية.
وتُشير البيانات الرسمية إلى وجود أكثر من 800 مركز نداء مصرح به لدى الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، دون احتساب المراكز غير المهيكلة التي تمثل بدورها شريحة مهمة من النشاط. ويضيف سعود أن غالبية هذه المراكز هي مقاولات صغيرة ومتوسطة الحجم، تعتمد بنسبة تقارب 100% على الاتصال الهاتفي التسويقي، ما يجعلها الأكثر عرضة للتأثر المباشر بأحكام القانون الجديد.
التداعيات السلبية لن تقتصر على المراكز الصغيرة فحسب، بل ستطال أيضاً الشركات متعددة الجنسيات التي تتوفر على فروع في المغرب، إذ أن ما بين 15% إلى 20% من نشاط هذه الشركات يرتكز على المكالمات التسويقية مع زبائن فرنسيين، وهو ما يُجبرها على إعادة توزيع جزء من عمالها على أنشطة أخرى، مثل خدمات الدعم التقني "Help Desk" أو "Hotline"، وهي تحولات ستتطلب استثمارات إضافية في التكوين وإعادة التأهيل المهني.
ولا تقف التحديات عند حدود التشريع فقط، بل يتزامن هذا التهديد مع بروز تحدٍّ آخر لا يقل خطورة: الذكاء الاصطناعي. فوفقًا لتوقعات مؤسسة "Gartner"، من المرجح أن تعتمد 75% من مراكز الاتصال الحديثة على الذكاء الاصطناعي التوليدي بحلول سنة 2028، وهو ما يُنذر بمزيد من التحولات التكنولوجية التي قد تُقوّض أنماط العمل التقليدية المعتمدة اليوم. وقدّر تقرير لمنصة "Verified Market Research" حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع مراكز الاتصال بـ1.35 مليار دولار سنة 2021، مع توقعات ببلوغه 8.11 مليار دولار في أفق 2030.
ورغم هذه المعطيات المثيرة للقلق، يُجمع الفاعلون في القطاع على أهمية موقع المغرب الاستراتيجي وتوفّره على كفاءات بشرية ولغوية عالية الجودة، وهو ما يمنح البلاد ميزة تنافسية في سوق خدمات الأوفشورينغ. ففي سنة 2020، بلغت عائدات القطاع 7.9 مليون درهم، ونجح في خلق 120 ألف فرصة شغل ما بين 2014 و2018، واستقطب استثمارات قاربت 1.3 مليار درهم، كما سجّل رقم معاملات تصديري بلغ 14 مليار درهم سنة 2019، بحسب بيانات مكتب الصرف والفيدرالية المغربية لترحيل الخدمات.
غير أن هذه الإنجازات مهددة بالتآكل، ما لم تتحرك الحكومة المغربية بشكل عاجل، وفي هذا السياق، دعا سعود إلى اعتماد خطة وطنية استباقية لمواكبة التحولات التشريعية والتكنولوجية التي يعرفها السوق العالمي، من خلال تطوير برامج التكوين المستمر، وتحفيز الاستثمار في قطاعات بديلة داخل مجال الخدمات، إلى جانب ضرورة مراجعة التحفيزات الجبائية والرؤية الاستراتيجية التي تؤطر القطاع.
رغم أن القانون الفرنسي الجديد لن يدخل حيز التنفيذ قبل غشت 2026، إلا أن آثاره بدأت تلوح في الأفق، مما يتطلب تحركًا مغربيًا سريعًا لتفادي أزمة اجتماعية ومهنية محتملة في أحد أكثر القطاعات تشغيلاً للشباب. إن مواجهة التحديات المتعددة التي تعصف بقطاع مراكز النداء، بين تشريعات الخارج وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يتطلب تضافر جهود الدولة والمستثمرين والنقابات من أجل حماية المكتسبات وضمان استمرارية هذا القطاع الحيوي في منظومة الاقتصاد الوطني