حياتنا

في صمتٍ مُربك وتحت أنظار المستهلك المُثقل... زيادات ترامواي الرباط ـ سلا تعمّق أزمة النقل العمومي وتُرهق القدرة الشرائية للمستخدمين


مرة أخرى، يجد المواطن نفسه أمام الأمر الواقع، بدون إنذار مسبق ولا نقاش عمومي، شركة “ترانسديف” المكلفة بتسيير ترامواي الرباط ـ سلا شرعت، في تطبيق زيادات جديدة على أسعار التذاكر والاشتراكات، لتصبح التنقلات اليومية عبئاً إضافياً على كاهل سكان المدينتين،وسط أوضاع اقتصادية متأزمة في الأصل، من 6 إلى 7 دراهم لتذكرة الرحلة الواحدة، ومن 150 إلى 160 درهماً لاشتراك الطلبة، ومن 250 إلى 270 درهماً لاشتراك الموظفين، دون أن يرافق هذا التعديل أي تحسين ملموس في جودة الخدمة أو تغطية الأحياء غير الموصولة بخطوط الترام



القرار الذي دخل حيز التنفيذ في فاتح يوليوز، جاء بمبررات تقنية ومالية قدمتها الشركة، من قبيل ارتفاع كلفة التشغيل، وصعود أسعار قطع الغيار، وتزايد أعباء الأجور والصيانة. غير أن هذه التبريرات، وإن بدت منطقية من زاوية التدبير المقاولاتي، فإنها تفتقر إلى البعد الاجتماعي الذي يُفترض أن يؤطر قطاع النقل الحضري العمومي، فهل يُعقل أن تُنقل تكلفة هذه التحولات الاقتصادية مباشرة إلى المستخدم النهائي، دون تمييز بين فئاته ودون مقاربة تدريجية عادلة؟
 

ما يفاقم من وطأة هذه الزيادة، أنها تأتي في سياق اقتصادي هشّ، حيث يشتد الضغط على القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والدنيا، في ظل موجة تضخم غير مسبوقة وغلاء متواصل في أسعار المواد الأساسية. وبذلك، يتحول النقل الحضري من حق مدني يفترض أن يكون في متناول الجميع، إلى امتياز يثقل كاهل الأسر المنهكة، ويكرس التفاوتات الاجتماعية في الولوج إلى الخدمات الأساسية.
 

في المقابل، لم تُقابل هذه الزيادات بأي تحسينات ملموسة في الخدمة : لا توسعة في شبكة الخطوط، ولا تخفيف فعلي للاكتظاظ في ساعات الذروة، ولا تطور يُذكر في وتيرة انتظام العربات، بل إن العديد من المناطق ذات الكثافة السكانية، لا تزال خارج تغطية الترامواي، ما يفرغ المشروع من بعده الشمولي ويضعف حجية الرفع من الأسعار.
 

والأكثر مدعاة للتساؤل، هو غياب المقاربة التشاركية في اتخاذ مثل هذه القرارات، فالمواطنون لم يُستشاروا، ولا هيئات المجتمع المدني أو المجالس المنتخبة أُشركت في النقاش، القرار جاء مفاجئاً، بلا تمهيد، ولا حتى تواصل عمومي مقنع، وهو ما يُعيد إلى الواجهة سؤال الحكامة في تدبير المرافق العمومية الحيوية، ومدى قدرة المؤسسات الوسيطة على الدفاع عن مصالح الساكنة.
 

تبريرات الشركة القائمة على ارتفاع التكاليف، تُخفي خلفها سؤالاً أكثر عمقاً : لماذا يُطلب من المستعملين وحدهم تحمل الفاتورة؟ ألا توجد بدائل تمويلية أخرى؟ أين هي مساهمة الجماعات المحلية، والدولة بصفتها مسؤولة عن سياسات النقل الحضري؟ ثم، أين تقف حدود الربحية عندما يتعلق الأمر بخدمة عمومية؟
 

وإذ تمس هذه الزيادات اشتراكات الطلبة وذوي الدخل المحدود، فإنها تضرب في العمق مبدأ “النقل في المتناول”، وتنسف، ولو جزئياً، مجهودات السنوات الماضية التي كانت تهدف إلى جعل النقل المندمج وسيلة لتعزيز الاندماج الاجتماعي والمجالي، فبدلاً من أن يكون الترامواي أداة لتقليص الفوارق، تحول إلى عبء يُفاقمها.
 

وفي خضم هذا الجدل، تظل الرهانات أكبر من مجرد درهم إضافي في تذكرة، فالأمر يتعلق برؤية حضرية شاملة : هل نريد فعلاً سياسة نقل تراعي العدالة الاجتماعية؟ هل نريد أن نجعل من الرباط وسلا فضاءين حضريين مستدامين، أم أننا نُقايض الحق في التنقل بموازين مالية صماء؟

 

من هنا، فإن ما هو مطلوب ليس فقط إعادة النظر في التسعيرة، بل مراجعة شاملة لنموذج التدبير، ضمن تصور مندمج يجعل من النقل رافعة للمواطنة، لا أداة لتكريس الإقصاء. فلا تنمية بدون نقل عمومي منصف، ولا عدالة اجتماعية بدون إنصات فعلي لنبض الشارع


زيادات ترامواي، أسعار النقل العمومي، الرباط سلا، القدرة الشرائية، عبء مالي، اشتراكات الترامواي


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 3 يوليو/جويلية 2025
في نفس الركن