آخر الأخبار

في رسالة واضحة : الملك محمد السادس يحث على وحدة المصير المغاربي ويدعو الجزائر إلى الانخراط في حوار جاد


في لحظة إقليمية دقيقة ومفتوحة على رهانات كبرى، ألقى الملك محمد السادس خطاب العرش بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لجلوسه على العرش، وجاء الخطاب هذه السنة محمّلًا برسائل متعددة الأبعاد، تتقاطع فيها الحكمة السياسية مع التبصر الاستراتيجي.



 ففي وقت تتكرس فيه المكاسب الدبلوماسية المغربية على المستوى الدولي، وتتعزز فيه مواقف الرباط داخل مختلف المنتديات القارية والأممية، اختار جلالة الملك محمد السادس أن يعيد التأكيد على ثوابت المملكة بخصوص ملف الصحراء المغربية، وعلى نهجها القائم على السيادة الرزينة والانفتاح الهادئ، وهو ما يضع الخطاب في منزلة تتجاوز المناسبة البروتوكولية، ليصبح وثيقة سياسية تعكس رؤية مستقبلية شاملة تتصل بموقع المغرب في محيطه المغاربي، وبدوره داخل معادلات التوازن الإقليمي


لقد شكّلت الدعوة الملكية المفتوحة والمباشرة إلى الجزائر واحدًا من أبرز ملامح هذا الخطاب، إذ أعاد الملك التأكيد على خيار الحوار باعتباره المدخل الضروري لتجاوز حالة الجمود المهيمنة على العلاقات الثنائية، وهو ما يعكس قناعة راسخة لدى القيادة المغربية بأن استقرار المنطقة وازدهارها لا يمكن أن يتحقق في ظل منطق القطيعة والانغلاق.

ورغم أن المغرب ظل منذ غشت 2021 في موقع المتلقي لخطابات تصعيدية وعدائية من قبل مؤسسات جزائرية رسمية، فإن خطاب العرش جاء ليؤكد أن المملكة لا ترد بالمثل، بل تواصل التعبير عن استعدادها الصادق لبناء علاقات جديدة قائمة على الاحترام والتفاهم بين الشعوب، لا على الصراعات المفتعلة والاصطفافات الإيديولوجية المتجاوزة.
 

هذه الدعوة، كما أوضح الخطاب الملكي، ليست تعبيرًا عن ضعف أو تراجع، ولا تنتمي إلى منطق الاستجداء، بل تنبع من موقع قوة واطمئنان سيادي، وتتغذى من عمق تاريخي وثقافي مشترك، يجعل من وحدة المصير المغاربي خيارًا استراتيجيًا لا مجرد رغبة ظرفية.

لقد تميز الخطاب بأسلوب يعلو عن الانفعالات، ويرفض الانجرار إلى الرد على الاستفزازات، وهو بذلك يؤكد أن المغرب، في تعاطيه مع الجار الشرقي، يراهن على المستقبل لا على تصفية حسابات الماضي. هذا الموقف المتزن يعكس اتساقًا في السياسة الخارجية المغربية، التي تراكم خلال السنوات الأخيرة دعمًا دوليًا متزايدًا، جعل من مبادرة الحكم الذاتي المرجع الواقعي والعملي الوحيد المطروح على طاولة الحل.
 

وفي هذا السياق، جاء تأكيد الملك على أن الحكم الذاتي يمثل الإطار الأنسب لتسوية النزاع حول الصحراء، كترجمة لواقع سياسي متغير تتوالى فيه المواقف الدولية الداعمة للطرح المغربي. فالعديد من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، باتت تعتبر هذه المبادرة أساسًا للحل، لأنها توازن بين مبدأ السيادة ومطلب التوافق، وتراعي مصالح الأطراف كافة دون أن تنتصر لطرف على حساب آخر. وفي ضوء هذا التحول، لم تعد المبادرة مجرد مقترح تقدمه الرباط، بل تحولت إلى عنصر توازن في معادلات الأمن الإقليمي، كما أصبحت تحظى بمصداقية متنامية في المنتديات الدولية، وهو ما يفسر تصاعد عزل الخطاب الانفصالي داخل المؤسسات الأممية.
 

الخطاب الملكي حرص أيضًا على التذكير بأن المغرب لا يسعى إلى فرض الهيمنة، ولا يضمر عداءً لأي طرف، بل يطمح إلى إقامة شراكات ناضجة تقوم على التكامل والاحترام. وفي مقابل مواقف متحجرة لا تواكب تحولات الواقع، تقترح الرباط نموذجًا متقدمًا للتعاون المغاربي، يتجاوز الحسابات الضيقة ويؤسس لفضاء مشترك قادر على رفع تحديات الأمن والتنمية. ورغم أن المبادرة المغربية تواجه حتى الآن برفض غير مبرر من طرف الجزائر، فإن إصرار العاهل المغربي على تكرار الدعوة إلى الحوار يكشف عن تصور بعيد المدى يراهن على منطق الدولة لا على ردود الأفعال الظرفية.
 

كما أن اختيار الملك الرد بالحكمة على التصعيد الإعلامي والسياسي الذي تمارسه الجزائر يعكس إدراكًا استراتيجيًا للرهانات الحقيقية التي تواجه المنطقة. فبدل الدخول في حرب استنزاف كلامية، اختار المغرب أن يواصل تعميق شراكاته الدولية وتنمية أقاليمه الجنوبية، معززًا بذلك مشروعيته الداخلية والخارجية. وبينما تنغلق بعض الأنظمة على منطق العزلة، يراهن المغرب على الانفتاح كرافعة لتعزيز موقعه كفاعل إقليمي يحظى بالاحترام والتقدير. وهذا التحول في منطق التحرك الدبلوماسي المغربي ليس ظرفيًا، بل يمثل جزءًا من استراتيجية أوسع تقوم على التدرج والاتساق والاستثمار في الشرعية السياسية والمؤسساتية.
 

وفي العمق، فإن خطاب العرش لهذه السنة لا يقدم فقط موقفًا من قضية بعينها، بل يرسم معالم رؤية شاملة للمغرب الإقليمي، تنبني على السيادة الراسخة والانفتاح المدروس، وعلى رفض النزعات الانفصالية التي تعرقل قيام مشروع مغاربي موحد. فالملك محمد السادس لا يوجه خطابًا سياسيًا فحسب، بل يطرح تصوّرًا استراتيجيًا يحفز الفاعلين في المنطقة على التفكير الجماعي في مستقبل تتداخل فيه المصالح والتحديات، ويتطلب من الجميع تحمّل مسؤوليات تاريخية تتجاوز منطق الاصطفاف والقطيعة.
 

من هنا، فإن الخطاب لا يمكن قراءته إلا باعتباره جزءًا من مسار دبلوماسي طويل النفس، يُراكم الإنجازات ويستثمر في الاستقرار، دون أن يتنازل عن المبادئ أو يقع في فخ الانفعال. وفي ظل ما يعرفه العالم من تحولات متسارعة في موازين القوى والخرائط الجيوسياسية، يبدو أن المغرب قد اختار طريقه بثقة، مستندًا إلى مشروعية تاريخية، وواقعية سياسية، وقيادة توازن بين الحزم والمرونة


المغرب، خطاب العرش، الملك محمد السادس، الجزائر، الحوار المغربي الجزائري، وحدة المغرب الكبير


Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 31 يوليوز 2025

              

آخر الأخبار | حياتنا | صحتنا | فن وفكر | لوديجي ستوديو | كتاب الرأي | هي أخواتها | تكنو لايف | بلاغ صحفي | لوديجي ميديا [L'ODJ Média] | المجلة الأسبوعية لويكاند | اقتصاديات | كلاكسون


Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ
















تحميل مجلة لويكاند







Buy cheap website traffic