حياتنا

دور العجزة في المغرب : واقع صامت يخصّ 7.900 روحاً في الهامش




نعم، لم أكن أعلم أن دور العجزة موجودة في المغرب!

قد تبدو هذه الجملة ساذجة أو عابرة للوهلة الأولى، لكن خلفها تختبئ حقيقة صادمة ومؤلمة: آلاف المغاربة لا يعلمون أصلاً أن هناك مؤسسات تحتضن المسنين الذين لا مأوى لهم ولا سند.

تصريح شاب عابر في أحد أحياء الدار البيضاء: «بصراحة، ما كنتش عارف كاينة دور للعجزة فالمغرب»، كفيل بأن يفتح نقاشاً وطنياً عن كيف نعامل كبار السن في هذا البلد، وكيف نُسكت عن واقعهم، ونُخفيه من الصورة العامة، كما لو أن الشيخوخة عيبٌ ينبغي طمسه.

مؤسسات موجودة... لكنها غير مرئية
حسب الأرقام التي قدّمها كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي، عبدالجبار الرشيدي، فإن المغرب يضم 92 مؤسسة اجتماعية مخصصة لكبار السن، تحتضن ما يقارب 7.900 شخصاً مسناً موزعين عبر مختلف جهات المملكة.

ورغم أهمية هذه الأرقام في ظاهرها، إلا أنها تكشف عمق المشكلة: لماذا لا يعرف المغاربة شيئاً عن هذه الدور؟ لماذا لا نراها في الإعلام، ولا تُذكر في النقاشات العمومية، ولا تُطرح في البرامج التربوية أو الحملات الوطنية؟

الجواب بسيط ومعقّد في آن واحد: ثقافتنا الجماعية ما زالت تعتبر أن وضع أحد الوالدين في دار للعجزة هو خيانة أخلاقية أو فشل اجتماعي.

الأسرة لم تعد تكفي
صحيح أن المغاربة يُعرفون بقيم التكافل العائلي، لكن الزمن تغيّر. التحوّل الحضري، وظروف العمل، والهجرة الداخلية والخارجية، كلها جعلت من الصعب على الأبناء أن يكونوا سنداً دائماً لآبائهم.

أضف إلى ذلك، أن المغرب يشهد تحولاً ديمغرافياً مقلقاً: في سنة 2024، كان عدد كبار السن يناهز 5 ملايين، ويتوقع أن يصل إلى 10 ملايين شخص سنة 2050، أي ربع سكان المغرب.

هذا يعني أن السؤال لم يعد: "كيف نحمي المسنين؟"، بل أصبح: "هل نحن مستعدون لتحمل هذا التحول؟"

دور العجزة… ملاجئ الكرامة الصامتة
بعيداً عن الصورة النمطية لدور التقاعد في الدول الغربية، فإن مؤسسات كبار السن في المغرب ليست فنادق فخمة أو مصحات فارهة، بل هي فضاءات للرعاية الأساسية، تستقبل من لا أهل لهم ولا موارد، وغالباً من يعيشون في عزلة أو فقر مدقع.

71 مؤسسة منها توفّر إقامة دائمة، فيما يقدّم البعض الآخر خدمات يومية تشمل التغذية، الرعاية الصحية الأولية، والأنشطة الترفيهية. دورها إنساني بامتياز، لكنها ما تزال مجهولة، غير ممولة بما يكفي، وتكاد تكون مهمّشة في السياسات العمومية.

من الإقصاء إلى الكرامة
الدولة أطلقت خطة وطنية لتشجيع الشيخوخة النشطة (2023-2030)، تطمح إلى تحويل الشيخوخة من مرحلة "نهاية" إلى بداية جديدة. الهدف هو أن يستمر كبار السن في العطاء، وأن يُنظر إليهم كخزائن للتجربة والمعرفة، لا كعبء على المجتمع.

لكن النية لا تكفي. الأمر يتطلب استثماراً في الكفاءات الاجتماعية، تكوين مساعدات ومساعدين اجتماعيين، توفير بنية تحتية محترمة، وتغيير نظرة المجتمع نحو كبار السن.

هل نحاول فعلاً أن نراهم؟
«نعم، لم أكن أعلم أن هناك دوراً للعجزة»، جملة مؤلمة لأنها صادقة. فكم من مسنّ يعيش ويموت وحيداً؟ كم من أبٍ أو أمٍ لا يسأل عنهم أحد؟ كم من دار للعجزة تقاوم بصمت، خارج عدسات الكاميرا، في أقصى قرية أو ضواحي المدينة؟

إنها ليست مسألة "إيواء" فقط. إنها مسألة كرامة، ومسؤولية مجتمع بأكمله.

نحن لا نحتاج فقط إلى دور للعجزة… نحتاج إلى دولة لا تنسى أبناءها عندما يشتعل رأسهم شيباً.




الجمعة 25 يوليوز 2025

              

آخر الأخبار | حياتنا | صحتنا | فن وفكر | لوديجي ستوديو | كتاب الرأي | هي أخواتها | تكنو لايف | بلاغ صحفي | لوديجي ميديا [L'ODJ Média] | المجلة الأسبوعية لويكاند | اقتصاديات | كلاكسون


Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ
















تحميل مجلة لويكاند







Buy cheap website traffic