عدنان بن شقرون
في مسرح العالم المفتوح، يُعاد هذه الأيام عرض مأساة قديمة بنسخة جديدة: صراع جديد بين إيران وإسرائيل، اختار البعض تسميته بـ"حرب الإثني عشر يوماً". لكن خلف القذائف والبيانات، يبدو كل شيء وكأنه جزء من سيناريو معدّ سلفاً، كأننا أمام عرض مسرحي متقن الإخراج.
كل طرف يعرف دوره. القادة يتحدثون كمن يعتلي المنصة، والجيوش تتحرك كما لو أنها على الخشبة، والمتحدثون الرسميون يحفظون النصوص، والإعلام يوزّع المشاهد على مقاطع فيديو ذات إيقاع محكم، ويُبقي الجمهور مشدوداً إلى كل تطور... وكأننا أمام ملحمة مكتوبة بدماء بشرٍ حقيقيين.
الصراع أم الرواية؟
ما يُعرض علينا ليس فقط صراعاً سياسياً أو عسكرياً، بل قصة مدروسة التفاصيل، من اختيار الصور إلى ترتيب الكلمات. ما نراه ونسمعه ليس الواقع ذاته، بل رواية عنه — محبوكة بعناية، ومتكررة إلى حد التخدير.
هل الأمر صدفة؟ أم أن هناك من يمسك بالقلم ويكتب؟ هل هو ترامب العائد إلى الحلبة السياسية؟ أم نتنياهو الباحث عن انتصار داخلي؟ أم صناع القرار في طهران الذين يجيدون اللعب على أوتار الكبرياء القومي؟ أم أن الأمر أكبر من ذلك... ربما نص جماعي شارك في صياغته اللاعبون الكبار، بمن فيهم وسائل الإعلام، جماعات الضغط، مصانع السلاح، ودبلوماسيون يبتسمون في العلن ويتآمرون في الخفاء.
انتصارات وهمية وخسائر صامتة
المفارقة أن جميع الأطراف أعلنوا النصر. في طهران، احتفال. في تل أبيب، اطمئنان. في واشنطن، دور الوسيط الذي يربت على أكتاف الجميع. كأن الحرب لم تقتل أحداً، وكأن الخراب يمكن أن يُطمس تحت بساط المصالح.
لكن الحقيقة تفضح المسرح. من دفع الثمن؟ من سقط من دون ضوء كاميرا؟ من فقد أمه أو ابنه أو بيته دون أن يُذكر اسمه في بيان أو خبر عاجل؟ أولئك لا يدخلون في سردية "النصر". لا مكان لهم في نصٍ كُتب لتمجيد الأبطال المزيفين.
الجمهور المتفرج... شريك أم ضحية؟
الأكثر إيلاماً أن الناس بدأوا يعتادون. ضربة جوية؟ عادي. مجزرة؟ تمرّ. تصريح ناري؟ لا يهزّ أحداً. الإعلام يمضغ الأحداث حتى تفقد طعمها، والمشاهد يبتلع المشهد بلا مقاومة.
في هذا "المسرح الجيوسياسي"، لسنا فقط مشاهدين، بل مشاركون صامتون. نسكت حين يجب أن نصرخ، نستهلك الرواية الجاهزة دون أن نطرح أسئلة. ومع كل حرب جديدة، نخسر جزءاً من إنسانيتنا.
ماذا بعد؟
ليست المشكلة في الصراع ذاته — فالصراعات قائمة ما دام هناك ظلم وقوة وغرور. المشكلة أن يُقدَّم الصراع كعرض ترفيهي، أن تُسَطَّر القصص بلغة البطولة الكاذبة، أن يُختزل الألم في "لقطة".
إذا لم نُطالب برواية بديلة — صادقة، متجردة، لا تمحو الوجع ولا تتجاهل الضحايا — سنبقى نُصفق لمآسينا كما يُصفق الجمهور لمشهد النهاية، غير مدركين أن الستار لا يُغلق على خشبة المسرح فقط... بل على مقابرٍ تُحفر بصمت.
كلمة أخيرة...
ربما حان الوقت لنشكّك، لنرفع رؤوسنا عن الشاشة، ونتساءل بجرأة:
هل نعيش الحقيقة؟ أم نشاهدها تُعاد كتابتها أمام أعيننا؟
أما أنا، فلي شكٌّ كبير... وأنتم، ألا يراودكم هذا الشك أيضاً؟
كل طرف يعرف دوره. القادة يتحدثون كمن يعتلي المنصة، والجيوش تتحرك كما لو أنها على الخشبة، والمتحدثون الرسميون يحفظون النصوص، والإعلام يوزّع المشاهد على مقاطع فيديو ذات إيقاع محكم، ويُبقي الجمهور مشدوداً إلى كل تطور... وكأننا أمام ملحمة مكتوبة بدماء بشرٍ حقيقيين.
الصراع أم الرواية؟
ما يُعرض علينا ليس فقط صراعاً سياسياً أو عسكرياً، بل قصة مدروسة التفاصيل، من اختيار الصور إلى ترتيب الكلمات. ما نراه ونسمعه ليس الواقع ذاته، بل رواية عنه — محبوكة بعناية، ومتكررة إلى حد التخدير.
هل الأمر صدفة؟ أم أن هناك من يمسك بالقلم ويكتب؟ هل هو ترامب العائد إلى الحلبة السياسية؟ أم نتنياهو الباحث عن انتصار داخلي؟ أم صناع القرار في طهران الذين يجيدون اللعب على أوتار الكبرياء القومي؟ أم أن الأمر أكبر من ذلك... ربما نص جماعي شارك في صياغته اللاعبون الكبار، بمن فيهم وسائل الإعلام، جماعات الضغط، مصانع السلاح، ودبلوماسيون يبتسمون في العلن ويتآمرون في الخفاء.
انتصارات وهمية وخسائر صامتة
المفارقة أن جميع الأطراف أعلنوا النصر. في طهران، احتفال. في تل أبيب، اطمئنان. في واشنطن، دور الوسيط الذي يربت على أكتاف الجميع. كأن الحرب لم تقتل أحداً، وكأن الخراب يمكن أن يُطمس تحت بساط المصالح.
لكن الحقيقة تفضح المسرح. من دفع الثمن؟ من سقط من دون ضوء كاميرا؟ من فقد أمه أو ابنه أو بيته دون أن يُذكر اسمه في بيان أو خبر عاجل؟ أولئك لا يدخلون في سردية "النصر". لا مكان لهم في نصٍ كُتب لتمجيد الأبطال المزيفين.
الجمهور المتفرج... شريك أم ضحية؟
الأكثر إيلاماً أن الناس بدأوا يعتادون. ضربة جوية؟ عادي. مجزرة؟ تمرّ. تصريح ناري؟ لا يهزّ أحداً. الإعلام يمضغ الأحداث حتى تفقد طعمها، والمشاهد يبتلع المشهد بلا مقاومة.
في هذا "المسرح الجيوسياسي"، لسنا فقط مشاهدين، بل مشاركون صامتون. نسكت حين يجب أن نصرخ، نستهلك الرواية الجاهزة دون أن نطرح أسئلة. ومع كل حرب جديدة، نخسر جزءاً من إنسانيتنا.
ماذا بعد؟
ليست المشكلة في الصراع ذاته — فالصراعات قائمة ما دام هناك ظلم وقوة وغرور. المشكلة أن يُقدَّم الصراع كعرض ترفيهي، أن تُسَطَّر القصص بلغة البطولة الكاذبة، أن يُختزل الألم في "لقطة".
إذا لم نُطالب برواية بديلة — صادقة، متجردة، لا تمحو الوجع ولا تتجاهل الضحايا — سنبقى نُصفق لمآسينا كما يُصفق الجمهور لمشهد النهاية، غير مدركين أن الستار لا يُغلق على خشبة المسرح فقط... بل على مقابرٍ تُحفر بصمت.
كلمة أخيرة...
ربما حان الوقت لنشكّك، لنرفع رؤوسنا عن الشاشة، ونتساءل بجرأة:
هل نعيش الحقيقة؟ أم نشاهدها تُعاد كتابتها أمام أعيننا؟
أما أنا، فلي شكٌّ كبير... وأنتم، ألا يراودكم هذا الشك أيضاً؟