وتشير البيانات التي قدّمها وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، في معرض جوابه عن سؤال برلماني، إلى أن مصالح الأمن عالجت ما مجموعه 34.312 قضية مرتبطة بالتسول، أسفرت عن توقيف 39.143 شخصاً، بينهم 1092 قاصراً و10.810 نساء، إضافة إلى أكثر من 1800 أجنبي من جنسيات مختلفة. وهي أرقام تعكس، وفق الوزارة، دينامية متنامية في الأنشطة غير المشروعة المرتبطة بالتسول، خصوصاً حين يتعلق الأمر باستغلال الأطفال أو تنظيم مجموعات تستثمر الفضاء العمومي بطريقة ممنهجة.
وتكشف الإحصائيات أيضاً أن معالجة الملفات المتعلقة بالتشرّد لا تقل تعقيداً، إذ جرى ما بين سنة 2024 والشهور الأولى من 2025 إحالة 18.805 قضية على النيابة العامة، قدم بموجبها ما يفوق 3.000 شخص، في حين تمت إحالة أكثر من 20 ألف شخص على مؤسسات خيرية، ونقل 20.751 آخرين إلى السلطات المحلية، مقابل الإفراج عن آلاف الأشخاص بعد التحقق من هوياتهم وظروف تواجدهم في الشارع.
وتعتمد وزارة الداخلية، حسب توضيحات لفتيت، على مقاربة متعددة الأبعاد تستند إلى الجمع بين العمل الأمني والاشتغال الاجتماعي. وفي هذا السياق، تعمل المصالح الأمنية على تكثيف الدوريات في النقاط السوداء المعروفة بارتفاع نشاط التسول، إلى جانب تنظيم حملات ليلية بشراكة مع التعاون الوطني بهدف إيواء المتشردين داخل مراكز الرعاية، بما تسمح به الطاقة الاستيعابية لهذه المرافق التي تعاني أصلاً من ضغط كبير.
كما تشمل هذه المقاربة إطلاق وحدات إقليمية متنقلة تعمل بتنسيق مع المصالح الاجتماعية والجمعيات المحلية، وتوفير سيارات اجتماعية لنقل الأشخاص الذين يتم رصدهم في الشوارع، خاصة النساء والأطفال والمسنين في وضعية هشاشة. وتلعب المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بدورها دوراً محورياً عبر تمويل بناء مراكز جديدة للإيواء وتحسين الخدمات الموجهة للفئات الهشة.
وفي الجانب التنظيمي، تواصل المديرية العامة للأمن الوطني إصدار مذكرات دورية توجه إلى مصالحها اللاممركزة، تهدف إلى توحيد منهجية التعامل مع هذه الظاهرة، وتذكير العناصر الميدانية بالإطار القانوني الذي يحدد حدود التدخل والمساطر المعمول بها، خاصة في حالات تتعلق باستغلال القاصرين أو ارتكاب سلوكات عدوانية في الشوارع.
ويركّز التصور الرسمي لمعالجة هذه القضايا على التمييز بين من يوجدون في وضعية هشاشة حقيقية، خصوصاً الأحداث والأطفال، وبين الأشخاص الذين يمارسون التسول بشكل اعتيادي أو منظم وقد يكونون طرفاً في شبكات تستغل الإحسان العمومي. كما يشدد على ملاحقة كل من يثبت استغلاله للقاصرين في طلب الصدقات بطرق غير قانونية.
وتعكس هذه الأرقام، في مجملها، تحدياً اجتماعياً بنيوياً يتجاوز البعد الأمني الصرف، ويستدعي رؤية أشمل تعالج جذور الفقر والهشاشة وتراجع الحماية الاجتماعية، بما يجعل الظاهرة أكثر تعقيداً من مجرد توقيفات أو تحويلات إلى مراكز الإيواء. فالمطلوب، وفق متابعين، هو مقاربة مستدامة قادرة على تجفيف منابع التشرّد والتسول، عبر إدماج اقتصادي حقيقي، وتوسيع شبكات الدعم الاجتماعي، وإعادة الاعتبار للسياسات الوقائية
الرئيسية





















































