المعمل، الواقع بزنقة الطيب العلج، كان قد تحوّل إلى مأوى اضطراري لهذه العائلات بعد إفلاس الشركة المالكة وتخليها عن العقار، دون أن توفّر بدائل للمتضررين. وعلى امتداد السنوات، نظمت العائلات وقفات احتجاجية أمام المحكمة التجارية وأمام بوابة المعمل، مطالبة بإيجاد حل ينهي معاناتها المزمنة التي ورثها الأبناء عن الآباء، في مشهد يعكس أحد أوجه التهميش العقاري والاجتماعي الذي طال فئات منسية من الساكنة الحضرية.
وبالرغم من صدور حكم بالإفراغ تحت عدد 7693 بتاريخ 31 دجنبر 2024، قررت السلطات المحلية عدم تنفيذه مباشرة، واختارت بدلاً من ذلك الدخول في مسار تشاوري متدرج، منح فيه الجانب الإنساني الأولوية، بما يضمن احترام القانون دون إلحاق أضرار اجتماعية غير قابلة للجبر. وقد بدأت أولى جولات الحوار مع بداية أبريل الجاري، ليتوج الاتفاق بالإفراغ الكامل والطوعي للموقع بتاريخ 22 أبريل 2025، في ظرف لم يتجاوز عشرة أيام.
هذا النموذج التوافقي شكّل سابقة في تدبير الأزمات العقارية ذات الأبعاد الاجتماعية، حيث جرى التوصل إلى تسوية بين المالك الجديد للعقار، الذي اقتناه بعد سنوات من إهماله، وبين العائلات التي كانت تستغل المكان بشكل غير قانوني، لكن بدافع الضرورة وليس الجنوح. وحرصت السلطات على إجراء تقييم دقيق لكل حالة على حدة، بما سمح باقتراح حلول تناسب الوضعيات الاقتصادية والمعيشية للمعتصمين، دون أن تُفرَض عليهم مقاربات جاهزة أو موحّدة.
وقد مثّلت هذه الخطوة رسالة واضحة في اتجاه إرساء مقاربة جديدة في معالجة قضايا السكن غير اللائق والاحتلال العشوائي للعقارات، قائمة على إشراك السكان في الحلول وتقديم بدائل واقعية تراعي واقعهم. كما أبرزت قدرة الإدارة الترابية، حين تتوفر الإرادة السياسية والآليات القانونية المرنة، على تحويل ملفات شائكة إلى فرص لمعالجة عميقة ومستدامة للمشاكل الحضرية المعقدة