مدخلات و مخرجات

الهدر المدرسي ظاهرة ممتدة عبر الزمن ومركبة تشمل الانقطاع الدراسي والتكرار وعدم الالتحاق وهذه سبل محاربتها.


في حوار له مع جريدة "العلم" اعتبر السيد مصطفى السليفاني مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال خنيفرة الهدر المدرسي ظاهرة مركبة وممتدة عبر الزمن، وهو من بين الإشكالات التي تعترض المنظومة التربوية المغربية، لما يشكله من هدر للإمكانات البشرية والمادية، وتأثيره السلبي على التنمية في مختلف أبعادها، وكذا على مختلف برامج الإصلاح التربوي. مشيرا إلى أن ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة واعية بحجم هذه الظاهرة، من خلال التقييمات والدراسات الموضوعية المرحلية والإجمالية التي تنجزها والمتعلقة بمختلف المجالات التربوية. "وهذه الظاهرة المركبة لا تشمل، فقط، الانقطاع الدراسي بل تشمل التكرار، والانقطاع الدراسي، وعدم الالتحاق"، يقول السليفاني.



وقفت مجموعة من التقارير الوطنية والدولية على مغادرة أكثر من 350 ألف طفل لمقاعد الدراسة بزيادة بلغت 16 ألف عن السنة التي قبلها، كيف تقرؤون الظاهرة عموما وهذا الرقم على وجه الخصوص؟
 
كما تعلمون فقطاع التعليم ببلادنا، وبتعليمات ملكية سامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله وأيده، ظل يحظى بالأهمية اللازمة، باعتباره أولوية وطنية، بعد قضية الوحدة الترابية لبلادنا، حيث  يستأثر بأكثر من 20 في المائة من الميزانية العامة للدولة، ما يشكل حوالي 5,2 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ومع ذلك، فكلفة الانقطاع وعدم التمدرس أكبر ، إذ أن عدم استكمال الدراسة بالنسبة لتلاميذ التعليم الإلزامي (6-16) يكلف الدولة نقطتين مئويتين من الناتج الداخلي الخام حسب تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي 2008، كما أن التلاميذ المنقطعين يؤولون إلى الأمية بعد أربع سنوات من انقطاعهم، ولا تخفى عليكم كلفة الأمية على المجتمع، وعلى سيرورة التنمية التي تنشدها بلادنا، في ظل الاهتمام المتزايد بالرأسمال البشري.

 
وباعتبار الهدر المدرسي ظاهرة مركبة وممتدة عبر الزمن، فهو من بين الإشكالات التي تعترض المنظومة التربوية المغربية، لما يشكله من هدر للإمكانات البشرية والمادية، وتأثيره السلبي على التنمية في مختلف أبعادها، وكذا على مختلف برامج الإصلاح التربوي.ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة واعية بحجم هذه الظاهرة، من خلال التقييمات والدراسات الموضوعية المرحلية والإجمالية التي تنجزها والمتعلقة بمختلف المجالات التربوية، ومن بينها ظاهرة الهدر المدرسي.في هذا السياق، خصص كتاب المؤشرات التربوية 2023-2022، الصادر عن مديرية الاستراتيجية والإحصاء والتخطيط،حيزا مهما لهذه الظاهرة المركبة التي لا تشمل، فقط، الانقطاع الدراسي بل تشمل التكرار، والانقطاع الدراسي، وعدم الالتحاق.

 
وبالاطلاع على مؤشرات الانقطاع الدراسي باعتباره أحد مكونات الهدر المدرسي، يلاحظ أنه شهد ارتفاعا برسم الموسم الدراسي 2022-2021 مقارنة بالموسم الدراسي السابق، حيث بلغ عدد المنقطعين 76233 (منهم 36804 إناث) بالتعليم الابتدائي، وهو ما يمثل نسبة مئوية بلغت 2%، و183393 (منهم 62748 إناث) بالتعليم الثانوي الإعدادي، وهو ما يمثل نسبة مئوية بلغت 22.7%،و74538 (منهم 30042 من الإناث) بالتعليم الثانوي التأهيلي،وهو ما يمثل نسبة مئوية بلغت 7.2%،مع الإشارة إلى أن السلك الثانوي الإعدادي يشكل الحصة الكبرى بحوالي 55% من عدد المنقطعين.

 
ولمواجهة هذه الظاهرة، تم تحديد، على المستوى الوطني والجهوي مجالات التدخل، معززة بإجراءات وتدابير عملية، كفيلة بالحد من الهدر المدرسي بمختلف تجلياته، وتجاوز كل الصعوبات التي قد تعترض التلميذات والتلاميذ لمواصلة مسارهم الدراسي في أحسن الظروف تنفيذا لمقتضيات القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والتزامات خارطة الطريق للإصلاح 2026-2022، وأجرأة برامج الإطار الإجرائي 2024-2023 لتفعيل خارطة الطريق.

 
رغم أن التقليص من الهدر المدرسي يوجد من بين الأهداف الثلاث لخارطة الطريق 2022/2026 إلا أنها في استفحال وتزايد، ما الأسباب الكامنة وراءها؟
 
لقد أفرزت الدراسات المنجزة، ومنها دراسة علمية، يتم تحيينها على ضوء تطور معطياتها كل سنة، أنجزت على صعيد الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال-خنيفرة، وتتمحور حول الخطة الجهوية للحد من الهدر المدرسي بالتعليم الإلزامي في أفق 2025، (أفرزت) أن العوامل التي تسهم في تفاقم ظاهرة الهدر المدرسي متعددة يصعب معها ربط أسباب الهدر بعوامل دون أخرى، إلا أنها تعود في أغلبها إلى الظروف الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الثقافية، أو الجغرافية/المجالية، أو البيداغوجية/التربوية، مما يستدعي تفعيل أدوار المدرسة للمساهمة في الحد من الفوارق الاقتصادية، والاجتماعية للمتعلمين، وضمان حقهم في متابعة دراستهم، وتغيير ظروفهم الأصلية من أجل الترقي الاجتماعي للقضاء على الهشاشة، والرفع من فرص الاندماج الاجتماعي والاقتصادي.

 
وهو ما استحضره المجلس الأعلى في مساهمته في التفكير حول النموذج التنموي من خلال "مدرسة العدالة الاجتماعية" سنة 2018ـ حيث وقف المجلس على تعدد العوامل التي تسهم في تفاقم ظاهرة الهدر المدرسي، فعامل السياق الذي يشمل محيط المدرسة، والظروف الاقتصادية والاجتماعية، يؤدي إلى الانقطاع عن الدراسة، ويكرس الهشاشة لدى التلاميذ المنقطعين. تنضاف إلى ذلك عوامل أخرىمن قبيل العنف في المدرسة، والتحرش، والمضايقات من قبل الأقران أو المدرسين، والظروف البيداغوجية القائمة على النبذ، والتهميش، وبعد المدرسة عن مقر السكنى، خاصة بالنسبة للفتيات القرويات. فحتى التكرار الذي يُفترض فيه أن يكون وسيلة للاستدراك قصد الاحتفاظ بالتلميذ(ة) في المدرسة، يؤثر بشكل سلبي في نجاحه/ها، وفي أدائه/ها الدراسي، لأنه يثبط من عزيمته، ويضعف حافزيته.

 
في هذا السياق، تسعى خارطة الطريق للإصلاح 2026-2022، والتي تندرج في إطار استمرارية مسلسل إصلاح منظومة التربية والتكوين بالمغرب، إلى خفض نسبة الهدر المدرسي بمقدار الثلث، وتجويد المكتسبات والتعلمات المدرسية من خلال الرفع من معدل تمكن المتعلمات والمتعلمين من الكفايات الأساسية إلى 70 بالمئة بدل المعدل الحالي 30 بالمئة، وتعزيز التفتح والانفتاح والمواطنة من خلال توفير بيئة مناسبة وشروط ملائمة للمشاركة والنجاح داخل المدارس وذلك بمضاعفة عدد المستفيدين من الأنشطة المدرسية، في أفق 2026.

 
أيضا نتائج دورة 2022 للبرنامج الدولي لتقييم المتعلمين (PISA)، وارتباطا بظاهرة الهدر المدرسي، وقفت على ظاهرة التكرار المتفشية في المنظومة التربوية المغربية بحيث أن حوالي 46٪ من التلامذة سبق لهم أن كرروا السنة الدراسية، وأتوماتيكيا هم الأكثر عرضة للانقطاع عن الدراسة، أولا ما الإجراءات التربوية الكفيلة بمحاربة التكرار للتقليص والقضاء على الهدر المدرسي؟ ثم ما الحلول الكفيلة بالقضاء على الظاهرة في شموليتها؟

 
بخصوص ظاهرة التكرار التي تشكل جزءا من مكونات الهدر المدرسي، فقد أظهرت النتائج الإحصائية للدراسات انخفاضا نسبيا، حيث بلغت النسبة 7.8% برسم الموسم الدراسي 2022-2021 مقارنة بـ9.6%برسم الموسم الدراسي 2021-2020، بالسلك الابتدائي. وبلغت النسبة 22.7% برسم الموسم الدراسي 2022-2021، مقارنة ب 24.9% برسم الموسم الدراسي 2021-2020، بالسلك الثانوي الإعدادي. وبلغت النسبة 10.8% برسم الموسم الدراسي 2022-2021، مقارنة ب 10.2% برسم الموسم الدراسي 2021-2020، بالسلك الثانوي التأهيلي.

 
رغم هذا الانخفاض النسبي إلا أنه يظل دون الطموح المتعلق بخفض نسب الهدر المدرسي (التكرار، والانقطاع وعدم الالتحاق). ولهذا يتعين مضاعفة الجهود من أجل تحقيق أهداف خارطة الطريق للإصلاح 2026-2022، وخصوصا ما يتعلق بخفض نسبة الهدر المدرسي بمقدار الثلث في أفق 2026، من خلال عدة مداخل: تربوية (التعميم التدريجي للتعليم الأولي، وتعزيز شبكة الدعم التربوي وتنويعه لضمان مواصلة تمدرس المتعلمين إلى نهاية التعليم الإلزامي، والتربية غير النظامية الجيل الأساس والفرصة الثانية، والتعميم التدريجي لمدارس الريادة...)، والدعم الاجتماعي (الاستفادة من الداخليات ودور الطالب(ة)، والمطاعم المدرسية، والنقل المدرسي، والمبادرة الملكية مليون محفظة، وبرنامج التحويلات المالية المشروطة تيسير...)، وتوسيع العرض المدرسي، إذ تم على مستوى جهة بني ملال خنيفرة إبرام اتفاقيتي شراكة بين ولاية جهة بني ملال-خنيفرة، ومجلس جهة بني ملال-خنيفرة والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال-خنيفرة في شأن تنفيذ برنامج العمل المتوسط المدى للارتقاء بالعرض التربوي بجهة بني ملال-خنيفرة 2023-2019، بكلفة مالية تُقدر بمليار و784 مليون درهم، والثانية في شأن الارتقاء بالعرض التربوي والرياضي 2027-2023، بكلفة مليارين و360 مليون درهم، من أجل بناء المدارس، والمدارس الجماعاتية، والثانويات الإعدادية والتأهيلية، والداخليات، والمطاعم المدرسية، والمرافق الصحية...، والتعاون والشراكة مع مختلف القطاعات المعنية وخصوصا رئاسة النيابة العامة، والسلطات الترابية...(تم استرجاع 9839 منقطعة ومنقطع، منهم 3581 من الإناث برسم الموسم الدراسي 2023-2022 بجهة بني ملال-خنيفرة)، وجمعيات المجتمع المدني وخصوصا جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ. ومواصلة الحملات التواصلية والتحسيسية حول إلزامية التعليم المدرسي ومحاربة ظاهرة الهدر المدرسي. ومواكبة وتعزيز أدوار خلايا اليقظة وخلايا الإنصات والوساطة بمختلف المؤسسات التعليمية، ومحاربة التمثلات السلبية والصور النمطية حول المرأة، وتكريس مبدأ المساواة، من خلال المناهج والبرامج، التي عرفت مراجعة شاملة من طرف الوزارة.

 
هذا دون إغفال محاربة الهدر المدرسي لدى فئات الأطفال في وضعيات خاصة، والنهوض بالتربية الدامجة لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة. وتشجيع تمدرس الفتيات في الوسط القروي وشبه الحضري والمناطق ذات الخصاص، من خلال وضع برامج محلية خاصة.


يرى البعض أن الخارطة حصرت الإصلاح في نظرةضيقة تركز على التعلمات الأساس، ورغم أهميتها يجب الانتباه إلى جوانب أخرى برؤية أوسع تستمد شرعيتها وأسسها من القانون الإطار، كيف يمكن لما جاءت به الخارطة محاربة آفة الهدر المدرسي؟
 
يجب التذكير، أولا، أن خارطة الطريق للإصلاح 2026-2022 هي نتاج لمشاورات موسعة حددت الأولويات لتجويد المدرسة العمومية في إطار مواصلة أجرأة مقتضيات القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، كما أن القانون الإطار 51.17 يعد بدوره ترجمة لدعامات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2030-2015، وهي نتاج إعمال الذكاء الجماعي والمقاربة التشاركية من خلال مشاورات اتخذت عدة أشكال مع جميع المتدخلين والشركاء وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا.

 
وقد جعلت هذه الخارطة، وإطارها الإجرائي لتفعيلها 2024-2023، من الحد من الهدر المدرسي (بنسبة الثلث) أحد أولوياتها الاستراتيجية، من خلال مقاربة مندمجة، تستحضر جميع الأبعاد الضامنة لتمدرس جيد: توسيع العرض المدرسي، وتجديد المقاربات التربوية، وتعزيز الدعم الاجتماعي، واستحضار دور الشركاء...ونصت لتحقيق هذه الغاية على مجموعة من المقتضيات:تعميم تعليم دامج وتضامني لفائدة جميع الأطفال دون تمييز، وتخويل تمييز إيجابي لفائدة الأطفال في المناطق القروية وشبه الحضرية، فضلا عن المناطق التي تشكو من العجز أو الخصاص، ومواصلة الجهود الهادفة إلى التصدي للهدر والانقطاع المدرسيين، ووضع برامج تشجيعية لتعبئة وتحسيس الأسر بخطورة الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاربعاء 31 يناير 2024

              

















تحميل مجلة لويكاند


القائمة الجانبية الثابتة عند اليمين





Buy cheap website traffic