النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية مدخل لتعزيز السيادة الوطنية

مقابل كل درهم من مداخيل المنطقة، يستثمر المغرب في صحرائه 7 دراهم

منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية سنة 1975 وبسط المملكة المغربية لسيطرتها على أراضيها، بدأت مسيرة التنمية والنماء بهذه المجالات الترابية من خلال مجموعة من الاستراتيجيات الهادفة إلى إنعاش الاستثمار وتوفير فرص الشغل لأبناء المنطقة .
 

 

وبادرت الدولة المغربية بالاستثمارات العمومية بالقطاعات الحيوية، إذ جاء في آخر تقرير للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية "الكتاب الأبيض حول الصحراء المغربية"، أنه مقابل كل درهم من مداخيل المنطقة، يستثمر المغرب في صحرائه 7 دراهم، في إطار التضامن بين الجهات وبين أبناء الوطن الواحدد وفي إطار المساواة مع باقي جهات المملكة وتحسين ظروف عيش ساكنة، تم استثمار ازيد من 120 مليار درهم بين سنتي 1975 و2013، يضيف نفس التقرير، خصصت لتعزيز البنى التحتية من وسائل الموصلات والتعليم والصحة والكهرباء والماء..."

 

كما ساهم دستور 2011 بمأسسة الجهوية، في تعزيز وتكريس التنمية الترابية بالمناطق الجنوبية للمملكة. وشكلت الجهوية المتقدمة بعد تقسيم المملكة المغربية إلى 12 جهة مع تعزيز الدور التنموي والقيادي للمنتخبين على صعيد الجهة في مجال التنمية الجهوية الاقتصادية والمستدامة، مدخلا أساسيا لنهضة اقتصادية واجتماعية بجهات المملكة الثلاث (العيون الساقية الحمراء وكلميم واد نون والداخلة وادي الذهب) .
 

 

إن هذا التوجه الملكي الاستراتيجي الذي هندسه قائد البلاد نصره الله من خلال ورش الجهوية المتقدمة، يواكب التوجه المغربي المقترح دوليا وبالأمم المتحدة لحل نهائي للمشكل المفتعل حول مغربية الصحراء، والمتمثل في الحكم الذاتي مع احترام رموز السيادة الوطنية الراية المغربية والسياسة الخارجية والعملة وغيرها...
 

 

وبالتالي فالتوجه الإرادي للتنمية الجهوية من خلال الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله يهدف تعزيز السيادة الوطنية ورغبة حقيقية أولا، لتوفير البنية التحتية الضرورية وفرص التنمية لساكنة الصحراء المغربية، وثانيا وتقوية الجبهة الداخلية بعدما تمكن المغرب من تعزيز تموقعه الدولي خارجيا .
 

 

 وشكلت الجهوية المتقدمة منطلقا حقيقيا لتنمية الأقاليم الجنوبية والتي عرفت تطور منقطع النظير ساهم في فتح مجموعة من الدول لقنصليات وتمثيليات ديبلوماسية. نعم توجه ناجح للديبلوماسية المغربية، ولكن أيضا بفتح الرؤية التنموية والمشاريع المهيكلة الكبرى التي عرفتها أقاليم الصحراء المغربية وهو ما عزز منسوب الثقة في مبادرة المغرب وتصوره لحل النزاع المفتعل . 
 

 

 

رغم كل المجهودات المبذولة، لازال المغرب يعاني من التفاوتات المجالية في مجال خلق الثروة وتوزيع فرص الشغل. وتؤكد الحسابات الجهوية أن أربع جهات (الدار البيضاء سطات والرباط سلا القنيطرة وطنجة تطوان الحسيمة وفاس مكناس) تحتكر ما يزيد عن 70% من الناتج الداخلي. وهو معطى يبين اننا لا زلنا بالمغرب أمام جهوية إدارية أكثر منها اقتصادية ما دامت الجهات غير قادرة على خلق الثروة وفرص الشغل من خلال استقطاب الاستثمارات. وبالنقيض مع ئلك عرفت جهات الصحراء المغربية نهضة تنموية وتحسنت مؤشراتها الاقتصادية والاجتماعية بصفة مسترسلة ومستدامة، وذلك راجع للنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي صاحب ورش الجهوية المتقدمة .
 

 

اليوم على بعد أيام قليلة من احتفاء الشعب المغربي بذكرى 48 للمسيرة الخضراء، أستحضر نص الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك نصره الله السنة الماضية بمنسابة الذكرى 47  والذي ذكر من خلاله جلالته بمنجزات بالنموذج التنموي للأقاليم المغربية الجنوبية ونخص بالذكر لا الحصر:

● إنجاز الطريق السريع تزنيت الداخلة؛

● ربط المنطقة بالشبكة الكهربائية والانتهاء بمحطة الطاقة الشمسية والريحية؛

● الشروع في بناء الميناء الكبير الداخلة الأطلسي؛

● انجاز مجموعة من المشاريع في مجال تثمين وتحويل منتوجات الصيد البحري وتوفير ألاف مناصب الشغل للشباب؛

● تأهيل أكثر من 6 الاف هكتار بالداخلة وبوجدور ووضعها رهن إشارة الفلاحين من أبناء المنطقة؛ ناهيك عن مشاريع في قطاع الفوسفاط والماء في طور متقدم من الانجاز

● مشاريع متعددة في مجال الصحة والتعليم ودعم مبادرات التشغيل الذاتي؛

 

هذا البرنامج التنموي لتنمية أقاليم الجنوب والذي أنجز بغلاف مالي تجاوز 77 مليار درهم ساهم في تعزيز منسوب الثقة، وهو ما سيتم تكريسه من خلال مشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب وبين افريقيا واوروبا، والذي أراد له جلالته نصره الله ان يكون مشروعا استراتيجيا، ليس فقط للمغرب ونيجيريا، بل لمنطقة غرب افريقيا التي تضم 440 مليون نسمة بكاملها .

 

إن خطاب جلالة الملك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، لم يكن فقط تقييميا لمنجزات النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمغرب، بل استرافيا لتنمية مستدامة وصامدة وذامجة لجميع المواطنات والمواطنين من خلال بلورة نموذج تنموي جديد يعزز ضمن خلق الثروات بمختلف جهات المملكة وضمان توزيعها العادل .
 

 

وتبين المؤشرات التنموية ان هذا الورش الملكي أصبحت ساكنة الإقليم الجنوبية تجني ثماره. فحسب اخر معطيات المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها "المؤشرات الاجتماعية 2023"، يتين بالملموس ان جهات الصحراء المغربية الثلاث تمكنت من تحسين بل مضاعفة ناتجها الداخلي الخام بين سنة 2012 و2020 . 

 

 

معطيات تعزز التوجه التنموي من خلال البنيات التحتية والاستثمارات العمومية المنجزة والتي ساهمت في تحسين ظروف عيش الساكنة بتلك المجالات الترابية كما توضح معطيات الدخل الفردي لمواطنات ومواطني الإقليم الجنوبية للمملكة والتي تفوق أحيانا ثلاث مرات دخل ساكنة الجهات المغربية الأخرى . 
 

 

هي نتائج بلورة وتنزيل النموذج التنموي التي اعطى انطلاقته جلالته سنة 2015 واوراشه لازالت لليوم متواصلة ومستمرة ونخص بالذكر لا الحصر:

● الطريق السريع تزنيت الداخلة على مسافة 1055 كلك بكلفة إجمالية تناهز 10 ملايير درهم؛

● البرنامج الصناعي فوسبوكراع بالعيون بكلفة تقدر ب 17.8 مليار درهم؛

● برنامج التأهيل الحضري ب 3.4 مليون درهم؛

● مواقع للطاقة الشمسية والريحية بطرفاية وبوجدور والعيون بحجم استثمارات يناهز 

 

● ميناء الداخلة الأطلسي بكلفة اجمالية تبلغ 12.65 مليار درهم؛ والذي سيمكن من دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية للجهة وتزويد المنطقة بأداة لوجستية حديثة ومتطورة تتماشى مع طموحاتها التنموية.

 

وسيشكل هذا الميناء فرصة للإقلاع الحقيقي للتنمية الترابية المستدامة بالجهات الجنوبية وللمغرب ككل ويجعله بوابة مغربية حقيقية وفعالة لإفريقيا .

 

وقد مكنت هذه الاوراش الكبرى خلال الفترة الممتدة بين 2013 و2019، أي قبل كوفيد 19 من تحقيق جهات الصحراء المغربية بنسبة نمو تقدر ب 6% متفوقة على المعدل الوطني الذي بلغ آنذاك 3.3%، وهو ما يفسر ان تلك الجهات تفوقعها عن جهات المملكة الأخرى من حيث الدخل الفردي الذي يعتبر الأعلى وطنيا .
 

 

ولضمان الأمن الغذاني وتوفير المخزون الاستراتيجي من المواد الأساسية، مجهودات كبيرة تبدل بالجهات المعنية في مجال السياسة المائية وتوفير الماء لضمان ما سلف أي الامن الغدائي وبلوغ السيادة المائية. وفي هذا الإطار نستحضر على سبيل الذكر لا الحصر: بناء سد فاسك ب 1500 مليون درهم وسد الساقية الحمراء ب 338 مليون درهم ومجموعة من السدود الصغرى. كما ان الجهات الثلاث تتوفر على 6 محطات للتحلية بكل من العيون وبوجدور واخنفير ومأوى الصيد سيدي الغازي ومأوى الصيد روك شيكو بالإضافة إلى محطة المكتب الشريف للفوسفاط ب العيون .
 

 

إن النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية لم يساهم فقط في تعزيز وتكريس الوحدة الوطنية من خلال توفير البينات والخدمات وفرص الشغل وظروف العيش الكريم للمواطنات والمواطنين المغاربة القاطنين بهذه المجالات الترابية، بل عزز تموقع المغرب الدولي من خلال الأوراش والبنيات التحتية المهيكلة التي أصبح المغرب يتوفر عليها. وهي مداخل للإقلاع لاقتصادي .
 

 

ومن نجاح هذا النموذج، يمكن استخلاص نتيجة مفادها أن الجهوية المتقدمة ممكن أن تساهم في اقلاع اقتصادي جهوي، يكفي مواكبة الجهات بنماذج تنموية تراعي خصوصيات كل جهة وتستمد مرجعيتها من النموذج التنموي الجديد للمغرب .