ولقد جسّدت هذه الحركة النوعية، التي ابتدعها جلالة المغفور له الحسن الثاني، أروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي. ففي السادس من نونبر سنة 1975، انطلقت جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح الشعب، ومن كل ربوع الوطن، بنظام وانتظام صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها، بقوة الإيمان، وبأسلوب حضاري وسلمي فريد من نوعه.
ويأتي هذا الاحتفال اليوم في ظرف استثنائي، استثمرت فيه المملكة بقيادة صاحب الجلالة محمد السادس، ديناميةً سياسية ودبلوماسية واقتصادية، لتثبيت موقعها في معادلة الوحدة الترابية، وتأكيد عزمها وجَدّتها في مواصلة المسار التنموي في الأقاليم الجنوبية.
ففي الأشهر الأخيرة، حقق المغرب انتصارات دبلوماسية بارزة، إذ تبنّت الأمم المتحدة – عبر قرار لمجلس الأمن – رؤية المغرب لدولة “الحكم الذاتي الموسّع” كخيار جاد للمستقبل، ممهّداً لفصل جديد من استكمال الوحدة الترابية. كذلك فإن الاعتراف الدولي المتزايد بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية بات يشكّل واقعا صادماً لمنطق النزاع الموروث.
وفي هذا السياق، تصبح ذكرى المسيرة الخضراء اليوم أكثر من مجرد استذكار؛ إنها استنهاض للهمم وإعادة تأكيد للرؤية؛ رؤية المملكة التي تربط بين المحافظة على وحدة الوطن وتنمية مناطقه الصحراوية، بروح العصر، وبإرادة لا تعرف التراجع.
إن الإنجازات التنموية التي شهدتها الأقاليم الجنوبية – في البنى التحتية، والخدمات الاجتماعية، والجهوية الموسّعة – تجعل من تلك الربوع أرضاً تنبعث فيها روح المسيرة، ليس كذكرى فقط، بل كمشروع حياة يومي للمغرب الحديث.
ورغم ما تحقق، تبقى الطريق أمام المملكة محفوفة بالتحديات: مواصلة تثبيت الحكم الذاتي الموسّع، تعبئة مواطني الأقاليم الجنوبية في مسار المشاركة والتنمية، وحفظ المكتسب الدبلوماسي. كلّ ذلك في ظلّ عزيمة صلبة على مقاومة كل محاولات التشويش لمنازعات مفتعَلة تستهدف للوطن وحدته وأمنه.
وفي يوم مثل اليوم، تحتفل المملكة بكل فخر بانطلاقتها نحو غدٍ أكبر، مستلهمة من المسيرة الخضراء روح التضحية والوطنية، ومؤكدة أن الوحدة لا تُفرَض، بل تُسكَنُ في القلوب وتُبنَى في الأرض. فلتكن هذه الذكرى مناسبة لتجديد العهد مع الوطن، وتقديس ما تحقق من منجز، واستشراف ما ستنقله الأيام من إشعاع لأقاليمنا الجنوبية – من العيون إلى وادي الذّهب، ومن كلّ نقطة في المغرب الشّاسع – كموقع للكفاح والانتصار والتنمية.
ولنجدّد معاً التأكيد: إنّ المغرب، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك، شقّ طريقاً تاريخياً وسياسياً نحو استكمال وحدته الترابية، ووضع حدّ لنزاع طال أمده، منطلقاً من مسار حضاري وسلمي، «راية وعلمٌ ومصحفٌ»، كما انطلقت فيه أقدام المتطوعين في 1975، واليوم تخطو بثبات نحو مستقبل مزدهر موحَّد.
الرئيسية























































