كتاب الرأي

المجتمع المغربي بين التقليد و الحداثة السلفية و اليسار إلى أين؟


سؤال لا بد من طرحه في البداية لتبين ما الجدوى ( في واقع مجتمع لا يرى الديموقراطية و الانتخابات إلا من خلال منظار قبلي محض و راسخ لا يحيد عن تسييد أعيان الوجاهة الاجتماعية و المالية... ) من سلفية و يسار اشتراكي و شيوعي ظلا لا يراوحا في حركيتهما النضالية حدود الخطابة و المطالب النقابية دون الإقدام الفعلي على التغلغل في النسيج المجتمعي لتحقيق التغيبر المنشود.؟!!!



بقلم علي تونسي: باحث في سوسيولوجيا المعرفة

فما الجدوى إذن؟!!!
بعد انهيار السور 
و بعد انفراط عقد اللؤلؤ 
رفرفت الأفكار و الذكريات
دخلت رفقة الأمس غرفة الإنعاش
و كذا حماسة الإخوة و الرفاق
فساد رأس مال التفاهة
و سادت الأوزار

.  إنه في أفق الانتخابات العامة و الترابية المقبلة في المغرب سنة 2026 ، يسعدني توجيه الدعوة إلى القراء الكرام للإطلاع معا و سويا ( بنون الجماعة تأكيدا ) على بعض معالم و أسس شخصية المجتمع المغربي بالدراسة و التحليل المقتضب ما أمكن دون الإسهاب، نظرا لأن إشكالية الموضوع شائكة و متفرعة و  تتطلب مجالا واسعا للكتابة و الاستطراد  مما لا يسمح به حيز هذا المقال / البحث المتواضع. فتلك الاسس و المعالم التي شكلت لحمة وحدة متماسكة لإثنيات و ثقافات مغربية متعددة ( عربية و بربرية أمازيغية و حسانية بيضانية و يهودية و روافد إفريقية سودانية،...) و التي بانصهارها في وحدة فريدة متميزة بتعدديتها منحت لهذا المحتمع المفربي هويته و أصالته جدارا قيميا صلبا يصعب اختراقه منذ  ازمان مرت و ما زالت، رغم ما مر به من احتلال و غزو و استعمار، منذ الاكتساح الروماني إلى الاستعمار الفرنسي و الآسباني. ( الظهير البربري نموذجا بأبعاده الخطيرة في حفر خندق التفرقة العرقية و التمهيد لحرب أهلية بين مختلف الإثنيات و الثقافات،  تهدد الوحدة الوطنية و الترابية  بالانفجار و الانشطار ) 
 و نذكر هنا بين قوسي الاستطراد أن تاريخ الحركة الوطنية  في المغرب، وعلاقتها بالحركات الاستقلالية في شمال إفريقيا و الوطن العربي و غيره من بلاد العالم شرقا و جنوبا و التي رزحت و ما زالت بأساليب مختلفة تحت نير الاستعمار الغاشم و قهر الاستبداد الظالم،  ما زال هذا التاريخ يعاني من قلة البحث العلمي و الدراسات الأكاديمية، رغم المخزون الوافر من الدراسات و الأبحاث الكلونيالية الموروثة عن المؤسسة العلمية بالمغرب  (  la mission scientifique au MAROC )، أنظر بهذا الصدد كتاب / مجلدات:  ( مدن و قبائل في المغرب / villes et tribues au MAROC ). و أيضا هناك  الدراسات التاريخية و السوسيولوجية و الاستشراقية  حول شمال إفريقيا ما قبل الإستعمار و تمهيدا له و كذا للعالم العربي و الإسلامي و بلدان إفريقيا و آسيا و أمريكا الجنوبية / اللاتنية... توازيا و انسجاما مع حركية الوفود التبشيرية المسيحية.

.  إنه في خضم عالم شهد و ما زال أمواج  تحولات فكرية و اقتصادية عميقة و عاتية منذ عصر النهضة و الثورة الصناعية الأوروبيتين و تحرر الولايات المتحدة الأمريكية من الاستعمار البريطاني. و ما سبق ذلك او صاحبه من حروب صليبية مقدسة لتحرير أروبا من  مخلفات الوجود الإسلامي ( الأندلس نموذجا و بعدها الخلافة الإسلامية العثمانية. و حروب الإبادة في البوسنا و الهرسك،...). و حروب أهلية و قومية و عرقية أوروبية مرهقة، أغلبها من أجل توسع المجال الحيوي و البحث عن مصادر الثروة و الغداء، إلى حربين عالميتين مدمرتين، تم بعدهما  تقسيم العالم فكريا إلى إديولوجيتين مهيمنتين متصارعتين و تم أيضا تقسيمه جغرافيا ببناء جدار برلين كححد فاصل  بين الألمانيتين أو تحديدا ( بين قطبين نووين: الأول حلف وارسو الاشتراكي الشيوعي لأوروبا الشرقة، تحت قيادة الاتحاد السوفياتي. و الثاني حلف الناطو الليبيرالي الرأسمالي لأوروبا الغربية، تحت قيادة الولايات المتحدة. قطبين متناهضين اقتسما العالم. و سادت بينهما حرب باردة دامت 70 سنة من الخوف و التوجس من اندلاع حرب نووية بينهما لا تبقي و لا تدر، مما جعل أثناءها أنظمة البوليس و المخابرات و التجسس و التجسس المضاد تتقوى و تتغول ضاربة عرض الحائط المعاهدات الأممية لحقوق الإنسان، و الحرية و السلم و الأمان و الحق في الحياة،... و بالرغم من تبعات هذه الحرب الباردة و ما استتبعها من انقلابات أنظمة حاكمة في مختلف بقاع العالم الثالث، ظل المجتمع المغربي مخزني النظام  يعتمد في استمراره و حكمه على دعامتين متوازيتين قويتي التأثير: الأولى دينية تتمثل في السلطة الصوفية للزوايا و الأضرحة  و الثانية  تنظيم قبائلي محلى وجهوى قائما على ركيزة القايدية ( مؤسسة أمغار و توابعها الممثلة في شيوخ و مقدمين )  و باختصار ما زالت سلطة التوجيه و المراقبة المخزنية المركزية تحكم قبضتها من  ثنائة ( المقدم و الفقيه ). 

.  هكذا إذن اكتسب المجتمع المغربي بعراقتة التاريخية و نظامه المخزني حصانة و مناعة ذاتية صلبة و شرسة قي وجه كل محاولات اختراقه و الهيمنة عليه طول الوقت. و من تمة فإن الفكر اليساري الوافد عليه حديثا  لم تتح له، لهذه الأسباب  و غيرها التي سننتناولها بالدرس و التمحيص لاحقا، فرص التغلغل في النسيج الاجتماعي و الفكري و النفسي للمجتمع التقليدي المغربي، مما سمح في المقابل  للفكر السلفي الإسلامي المتنور و الفكر اليموقراطي الوطني اليميني من التعايش مع طبيعة المجتمع المغربي التقليدي لفترة من الزمن بعد الاستقلال مستثمران فيها ذلك الفيض و الحشد الوطني الشعبي الناتج عن مقاومة الاستعمار و ثورة الملك و الشعب  لتحرير الوطن إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث تسببت المكائد التي تعرض لها النظام و محاولاتي الانقلاب عليه بزج البلاد قاطبة في حالة استثناء و في فترة عصيبة أطلق عليها ( سنوات الرصاص ). 

.  و عليه فإن ما يتطلبه التحليل العلمي للمجتمع المغربي ( نموذج غير منفصل عن اطاره الاقليمي )  ضمن ضررورات فهم  اشكالي للمرحلة الممتدة منذ مؤتمر إيكس ليبان ( الذي تقررت ضمنه شروط استقلال المغرب و نوعيتها و تداعياتها المشؤومة...) إلى يومنا هذا، سنتناول بالدرس و التحليل مجموعة من عوامل الإحباط سواء بالنسبة للفكر الوطني ذي الشرعية التاريخية أو للفكر اليساري الاشتراكي و الشيوعي في المغرب. و القيود و العراقل الموضوعية التي ستحول دون تقدم و تغلغل نشاط الأحزاب الوطنية / الأذرع السياسية لهذين الفكرين: ( الوطني و اليساري ) في الأوساط الشعبية للمجتمع المغربي. مع استحضار بعض الأمثلة و الحكايات ذات الرمزية المقارنة. 

.  نشير في البداية  الى ان طبيعة المجتمع المغربي قبل و بعد الاستقلال لم تتاهل بما يكفي لاحتضان و نمو الشروط الواقعية بالنسبة للفكر اليساري و تنزيل النظرية الماركسية في شقها التطبيقي للتغيير الاجتماعي في مجتمع  ترسخت فيه الأسس الموضوعية و التاريخية لانتفاء ذلك التغيير، رغم مخاض الصراع المحتدم بين استمرار الوضع المحافظ التقليدي في مقابل محاولات خضخته في اتجاه التحديث و الدمقرطة من طرف  اليسار الاشتراكي الشيوعي أو الليبيرالي الرأسمالي محليا و اقليميا و دوليليا. مما سيظل معه المجتمع المغربي نموذج نظام سياسي و اقتصادي فريد لوحده ضمن محيطه والإقليمي و الدولي. و لتبيان ذلك  سنسوق هنا من بين اسس الانتفاء السالف ذكرها ما يلي:

1 -   إنه، رغم محاولات  التحديث التبريري التي سيقوم بها الاستعمارين الفرنسي و الإسباني،  سيظل المجتمع المغربي في معظم مجالاته الإقتصادية و الاجتماعية و الفلاحية محافظا تقليديا ( ما قبل افيودالي ) لم يتغير عما كان عليه ما قبل الاستعمار،  ليستمر بلدا فلاحيا يخطو ببطئ شديد في اتجاه نشوء فيودالية محلية نسبيا ضعيفة و مختلفة تماما عن واقع الفيودالية الغربية ما  قبل الثورة الصناعية. و ذلك نتيجة طبيعة مناخه الجاف نسبيا و قليل التساقطات المطرية و كذلك مروره بفترات جفاف لسنوات عجاف متلاحقة من جهة. ومن جهة ثانية فإن الأراضي الفلاحية تشهد تفكيكا عبر الأجيال  بسبب الميراث و كثرة الولادات. و هو ما يحول دون تجمعها في وحدات كبيرة كوسيلة إنتاح قوية. بل حتى الأراضي المسترجعة من المعمرين بعد الاستقلال تم ضمها لأملاك الدولة في إطار شركتين لتدبيرها و توزيعها ضيعات للكراء بأثمنة رمزية لمدد زمنية محدودة قد تصل إلى تسع و تسعون سنة دون مراقبة و لا تتبع إداري  لمدى نجاعتها ولا لدفتر الاتزامات،   على كبار الشخصيات و المسؤولين المدنيين و العسكريين. و حتى الأجانب المستثمرين في المغرب. 

2  -   على المستوى الثقافي و الفكري ظل المجتنع المغربي في غالبيته العظمى مرتبطا برسوخ شديد إلى قناعاته التقليدية المحافظة و الغيبية الأسطورية في عمق بنيته النفسية و الثقافية الضاربة عمقا في التاريخ و المتجددة بفعل إحياء عدة مناسبات و مواسم و احتفالات، ( عاشوراء نموذجا ) سواء في القرى أو  الجبال أو في المراكز الحضرية و هوامشها الهشة. و كذلك نفس الحال على مستوى مختلف الشرائح الاجتماعية سواء الأميين منهم أو غالبية متعلمي السلكين الإعدادي و الثانوي و كثير من خرجي المدارس العليا و الجامعات و في أوساط الصناع التقليديين و الباعة المتجولين و أصحاب المهن الحرة البسيطة و العليا مع الأسف.

3 -   فإن غالبية المجتمع العظمى كانت و ما  زالت و ستبقى، بلا أدنى شك و بنسب عالية حتى، بسبب تزايد تردي مستوى التعليم و التربية و الإعلام، تؤمن بقداسة الأضرحة و الزوايا و التصوف بمختلف أنواعه ة السحر و الدجل، حيث لا تفاجؤونا رؤية العشاب يتحول إلى صيدلي و متخصص في تشخيص الأمراض حتى المزمنة منها. و يتقمص الدجال دور الطبيب و الناصح و المحلل و الطبيب النفسي و الاجتماعي. و تقوم  الأضرحة مقام  المستشفيات العمومية في استقبال و إقامة المرضى. و ما يستتبع ذلك من إعمال السحر و طقوسيات الشعوذة و ممارساتها... ( أنظر بهذا الصدد المرجعين 1 و 2 في نهاية المقال ). و مرد ذلك يكمن بقوة  في فاعلين سلبيين كالتالي:
-  أولا: الجهل و الفقر من جهة

-  ثانيا: الإيمان الجمعي الراسخ ثقافيا بأن العيش تحت نير الأوضاع الاجتماعية المزرية و الرضوخ للظلم الاجتماعي بما فيه اعتبار المرأة تابعة و خاضعة للرجل و ان لا يتعدى دورها في الحياة أبعد من الزواج و تكاثر النسل و تربية الأولاد و القيام  بالأشغال المنزلية فقط لا غير.

 و الأكثر مرارة هو أن كل ذلك التخلف الفكري و الظلم الاجتماعي يبقى في المنظور المجتمعي و المخيال الفردي و الجمعي معتقدا راسخا ثراثيا و تاريخيا على أنه قدر و نصيب غيبي لا مفر منه إلا القبول به و التعايش معه... 

و في إطار المقارنة فإن كان ذلك فكر و قناعة غالبية عظمى لا تتوفر على مؤهلات التطور و لا تسعى إليه إطلاقا، فإن هناك بالمقابل ( غير التعادلي ) أقلية تعيش بحبح الثراء المادي و الإجتماعي و التحرر الفكري، تراقب و تتحكم في كل وسائل الثروة و الارتاقاء الاجتماعي، تملك كل شيء و تتطور بسرعة فائقة ملحوظة في مختلف مجالات المال و الأعمال و الإدارة و السياسة و التعليم التقني العالي و العلوم التطبيقية و الإعلامياتية الرقمية و اللغات الأجنبية،... أقلية مستفيدة من أوضاع تخلف المجتمع و لا تبادر إلى رقيه و تقدمه بالمرة. إلا بما يسمح كواجهات عمرانية و سياحية تساهم في الترويج لمشاريعها التجارية و المقاولاتية. و لا تنعكس في الغالب على الحياة الاجتماعية و واقع المعيش اليومي للأغلبية المقهورة...

4 -  ينضاف عامل محبط آخر يتمثل في الفوارق المجالية و البيئية في التنمية بين سرعة تطور البنيات التحتية و الصناعية  في بعض المراكز الحضرية الكبرى شمال البلاد و جنوبها عن غيرها في القرى و الجبال. و كذا سرعة النمو في مجالات ذات الطابع الخاص و المقاولاتي في التعليم و الصحة و السكن عن غيرها ذات الطابع العمومي...                                   

.  و عليه فحينما يعمل الإذمان بمختلف أنواعه المادية و العقائدية على تغييب الوداعة الملائكية و ضمير المروؤة في الإنسان، ثم يعري ما ستر الله من مضمور في نفوس تأدت بوساوس الإمبريالية الجشعة المتوحشة... فقد تتحول حالة الصحو بلا شك إلى حالة مريضة فصامية مستعصية و مصدر آلام نفسية مرهقة، قبل أن تتفاقم إلى آلام عضوية و إجتماعية و اقتصادية و سياسية و إجرامية حتى...

.  و نسبة لذلك فقد قيل صحيحا أنه إذا لم  يكن الحب أو النضال الوطني يوما، في منظور الشعراء و المتصوفة و الزهاد، ساحة لتجارة السوق و لا أداة أو وسيلة لها، فإن من يطلب الولاية لا يولى، إلا ما شاء ربك فقضى و لا راد لقضائه. 

. ثم ألم تقم مؤسسة الأسرة في المجتمع المغربي منذ الزمن القديم عراقة التاريخ على مراسيم و المتطلبات المالية و الاجتماعية للزواج  التقليدي، سواء في القبائل القرى و الجبال أو في اوساط الأقلية المحظوظة في المدن، بالحفاظ على الأنساب في الغالب الأعم و على القيم الأساسية  لتسلسل الجاه و السلطة و الميراث و شجرة الشرف الاجتماعي و المالي و النخبوي عبر الأجيال... و ما يستتبع ذلك من انعكاسات آلية على واقع الاقتصاد و السياسة و الانتخابات و توزيع الثروة و حظوظ الإثراء و الارتقاء الاجتماعي؟!!!

.  و استحضارا  للعبر مما ذكر  نسوق حكاية قديمة عن ذئب تم انتخابه خوفا و تقربا و تملقا من طرف بعض قطعان غنم في جزيرة الوقواق ليتولى منصب الراعي الكبير في البلاد، كما في قصص كليلة و دمنة، فلما تقدم  لأداء القسم بكى متشيطنا متمسكنا بكاء شديدا من الفرحة و الدهشة و البهتان معا. و كذا من خوفه العميق أن ينجح معارضوه في وضع ملتمس رقابة و إسقاطه. فثارت القطعان باكية و أقامت الدنيا و أقعدتها دفاعا عن الذئب و عن نزاهته و براءته من دم يوسف و  افتراس الخرفان.

5 -   و طبعا بالإضافة إلى ما سبق و مع غياب قاعدة برجوازية وطنية فاعلة في مجال النمو الاقتصادي و ما يستتبعها من شروط الصراع الطبقي المؤسس لليسار الفاعل في الواقع المجتمعي سياسيا و نقابيا، سيظل الفكر اليساري المغربي لا يراوح مكانه بين المتشدد احيانا و المتهادن أحيانا أخرى حسب الظروف  و متطلبات التقية.  هذا اليسار الذي باعتباره آلية اجتماعية سياسية لبث الوعي الطبقي في المجتمع و تهييئه لتحقيق التغيير الاجتماعي المنشود لم يتجاوز في الغالب الأعم بعض المحاولات المحتشمة لتأطير الشباب و المجتمع من خلال  جمعيات ثقافية و فنية و مدارس و جامعات و عمل نقابي على مستوى بعض المراكز الحضرية الكبرى فقط، دون اهتمام يذكر بالمناطق القروية و الجبلية، في مرحلة الثلاثة عقود الأولى بعد الاستقلال. و هي مرحلة الأوج الأيديولوحي و الفكري و الصراع المحتدم بين الشيوعية و الليبيرالية.( موظة العصر في العالم كله و التي ستشهد تراجعا كارثيا بعد سقوط جذار برلين، تاركة الصولة لقيم التجارة المادية و سيادة المال و جشع الليبيرالية المتوحشة ) طبعا سينعكس هذا التراجع على اليسار المغربي و على كل الأحزاب الاشتراكية في الوطن العربي و أجيالها  بالضعف و التراجع، بل سيتم اختراقها وتحولها هي و باقي الأحزاب الوطنية السلفية منها و الديموقراطية إلى جماعات متناحرة  بفعل الصراعات الداخلية و التهافت على المناصب و المكاسب الشخصية... فما الجدوى إذن؟!!!

6 -  علما أنه قبل ذلك بقليل فقد شهدت المراكز الحضرية و بعض القرى في المغرب و الساحات الجامعية و مساجد الأحياء السكنية الكثيفة و مدن الصفيح و دوائر الفقر و الهشاشة المتسعة في هوامش المدن تنزيلا مكثفا لثيارات السلفية الإسلامية و الوهابية الجهادية،  التي تؤمن بالعنف و تحرض عليه. 

.  و الملاحظ جليا في هذا الصدد بما لا يدعو للشك قيد أنملة أن ذلك التنزيل قد تم برعاية و مباركة السلطة التقليدية الحاكمة و ترويضها  للمدرسة التعليمية و التحكم في برامجها البيداغوجية  و الإعلام العمومي بما يخدم أهداف المرحلة الحرجة التي تمر متها سياسيا و اقتصاديا،  في أفق إحداث توازن سياسي ( بين المد الاشتراكي الشيوعي الانقلابي في الوطن العربي و المد الإسلاموي الدعوي و  الجهادي ) و الذي لا يخلو من نية خلط الأوراق و تأسيس أحزاب إدارية جديدة تفوز بقدرة قادر بأكبر عدد من المناصب البرلمانية في الإنتخابات العامة. و بث مراقبين للطلبة في ساحات الجامعات و مدرجاتها و قاعاتها و مكتباتها و مقاصفها و في الأحياء الجامعية يطلق عليهم إسم < أواكس > من طرف الطلبة..

.  كل ذلك طبعا  لمناهضة الأحزاب الوطنية و اليسار و اليسار الراديكالي المتشدد و المد السلفي الجهادي. و هو ما سيتفاقم معه الاختلال الاجتماعي أو ما يطلق عليه ب (  الأنوميا الاجتماعية )  في اتجاه مزيد من الهضر المدرسي و ارتفاع نسبة الأمية و الجهل و إذمان المخدرات و المرض و الأمراض النفسية و العقلية و التشرد و عصابات النصب و الاحتيال و التسول الاحترافي.

.   أمام هذا الوضع المزري الذي آل إليه المجتمع المغربي و ضغف تعاطي الأحزاب  السياسية المغربية معه بما يستوجب القيام بأدوار طلائعية لمناهضة أسبابه و السياسات التي أنتجته، سيتحول الفكر اليساري المغربي و معه الفكر السياسي الوطني ذو الشرعية التاريخية  إلى خارج حلبة الصراع، لا يتجاوزان  حدود الخطابة و التظاهرات و التمظهرات  المناسباتية و المطالبة المحتشمة أو المتشددة أحيانا بالديموقراطية الحقة و التغيير الاجتماعي، بعيدا عن أي مبادرة حقيقية لتفعيل مطمح هذا التفيير المنشود...
  فما الجدوى إذن؟!!! 

 ما الجدوى من انتخابات عامة تسفر دوما عن نفس النتائج و النخب حتى و إن تغيرت أحيانا بعض الوجوه و الأسماء؟!!!  
 و مع اقتراب كل دورة إنتخابات عامة و ترابية  جديدة يتم فدلكة خطط و خرائط و شعارات و نداءات لمشاركة شعبية و شبابية كثيفة في التصويت. و كذا تحليلات إعلامية مدعمة من كل صوب و حذب... و بعدها و على بعد يوم من موعد الاقتراع أو في يومه بالذات تشاع اخبار عن تنزيل أموال طائلة غير معلومة المصدر و توزيعها بسخاء حاتمي لشراء الأصوات. و كل ذلك في طبيعة الأشياء  الواضحة في نظرنا و للعيان مجرد  مسرحية رديئة التأليف و الإخراج للضحك على الذقون و تبرير نتائج انتخابات هي متحكم في خريطتها بلا مساوغة قبلا و بعدا... كجميع الإنتخابات في دنيا السياسة و الديموقراطية المفترى عليها.

ثم كما يقال في المثل الشعبي العريي
--  << تبقى دار لققمان على حالها >> 
في انتظار دورة اخرى لانتخابات جديدة و هكذا ذواليك إلى ما شاء الله. 
.  و يبقى مصيرنا النضال و  الانتظار .. ثم الانتظار...
.   كفى  فقد هرمنا نضالا و انتظارا...  فما الجدوى إذن،!!!
و ختاما إننا حتما في حاجة ماسة أكثر من ذي قبل إلى زعيم أمة يعيد لها بريقها الفكري المبدئي و الأخلاقي الوهاج.
لقد رحل الزعيم علال الفاسي تاركا وراءه دخيرة النقد الذاتي و التعادلية الاقتصادية و الاجتماعية. ( و في الليلة الظلماء يفتقد البدر )                           
المرجعين:
1 -  علي تونسي، الشباب الحضري و الأيديولوجيات المعاصرة، بحث ميداني لنيل ديبلوم المعهد الملكي لتكوين أطر و زارة الشبيبة و الرياضة. تحت إشراف المرحوم  الدكتور محمد سبيلا الرباط المغرب، سننة 1884.

2 - علي توتسي و أخرون، حي عين السبع و  تنميته بين الحوافز و العوائق - دراسة 
سوسيوغرافية للدار البيضاء، بحث ميداني لنيل شهادة التخرح قي علم الاجتماع من جامعة محمد الخامس - كلية الآداب و العلوم الإنسانية ب أكدل الرباط المغرب، تحت إشراف المرحوم  الدكتور رشدي فكار. سنة 1985..            




الثلاثاء 4 نوفمبر 2025

في نفس الركن
< >

الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 11:47 ما ضاع حق ورائه طالب


              

تعليمات خاصة بركن «الرأي الحر / ضيوف المنبر / نبض القلم / بلاغات صحفية »
 
الغاية
هذا الركن مفتوح أمام المتصفحين وضيوف الجريدة للتعبير عن آرائهم في المواضيع التي يختارونها، شرط أن تظل الكتابات منسجمة مع الخط التحريري وميثاق النشر الخاص بـ L’ODJ.

المتابعة والتحرير
جميع المواد تمر عبر فريق التحرير في موقع lodj.ma، الذي يتكفل بمتابعة المقالات وضمان انسجامها مع الميثاق قبل نشرها.

المسؤولية
صاحب المقال هو المسؤول الوحيد عن مضمون ما يكتبه. هيئة التحرير لا تتحمل أي تبعات قانونية أو معنوية مرتبطة بما ينشر في هذا الركن.

الممنوعات
لن يتم نشر أي محتوى يتضمن سبّاً أو قدحاً أو تهديداً أو ألفاظاً خادشة للحياء، أو ما يمكن أن يشكل خرقاً للقوانين المعمول بها.
كما يُرفض أي خطاب يحمل تمييزاً عنصرياً أو تحقيراً على أساس الجنس أو الدين أو الأصل أو الميول.

الأمانة الفكرية
السرقات الأدبية أو النقل دون إشارة للمصدر مرفوضة بشكل قاطع، وأي نص يتبين أنه منسوخ سيتم استبعاده.


















Buy cheap website traffic