كتاب الرأي

العطلة لمن استطاع والحسرة لمغاربة القاع


يكشف موسم العطلة الصيفية في المغرب عن واقع اجتماعي تتجلى فيه الفوارق الطبقية بشكل واضح. فما أن يحل الصيف حتى ينقسم المشهد إلى نمطين من قضاء العطلة، نمط يعكس القدرة الشرائية المرتفعة لقلة من المجتمع، ونمط آخر يمثل واقع الأغلبية التي تتعامل مع هذا الفصل وفق إمكانيات محدودة.



بقلم: برعلا زكريا

في جانب من الصورة، تبرز مظاهر الإنفاق المرتفع في المنتجعات السياحية الفاخرة والشواطئ الخاصة التي تضع حواجز مادية تمنع دخول غير نزلائها. كما تنتشر صور اليخوت والرحلات الخارجية عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتقدم نموذجا من الرفاهية يتابعه ملايين المواطنين، مما يخلق إحساسا بوجود عالمين منفصلين يعيشان تجربة الصيف بطرق مختلفة تماما.

في المقابل، تسعى الأسر ذات الدخل المتوسط والمحدود إلى إيجاد متنفس لأبنائها ضمن ميزانيتها الضيقة. غالبا ما تكون الخيارات محصورة في السفر لزيارة الأقارب في مدن أخرى، أو قضاء أيام على الشواطئ العمومية التي تفتقر للكثير من المرافق. وبالنسبة لفئة واسعة من العمال الموسميين وأصحاب المهن البسيطة، يمثل الصيف فرصة للعمل الإضافي أكثر منه وقتا للراحة.


هذا التباين الواضح في قضاء العطلة الصيفية لا يمر دون أن يخلف آثارا نفسية، خصوصا لدى الأطفال والمراهقين. فعندما يقارن الطفل واقعه بما يشاهده عبر الإنترنت أو يسمعه من أقرانه، قد يتولد لديه شعور بالإقصاء أو الحرمان، وهو ما يضع ضغطا إضافيا على الآباء الذين يجدون أنفسهم في موقف صعب بين تلبية رغبات أبنائهم والالتزام بواقعهم المادي.

أمام هذا الواقع، يبقى دور الأسرة حاسما في التخفيف من وطأة هذه المشاعر على الأطفال. فالحرمان المادي يمكن تعويضه بالثراء العاطفي كمقاسمة الآباء أبناءهم الوقت والابتسامة، والإنصات لمشاكلهم وهمومهم، وخلق أجواء من البهجة داخل البيت عبر أنشطة بسيطة ومتاحة، كلها أمور تبني جسورا من الثقة والمحبة، وتعلم الطفل أن قيمة الإنسان لا تقاس بما يملكه، بل بما يمنحه من اهتمام ورعاية لمن حوله.

ويطفو على السطح سؤال آخر: أين هي الدولة الاجتماعية التي تتغنى بها الحكومة؟ برامج التخييم لأبناء الفقراء تبقى، في نظر الكثيرين، حبرا على ورق أو محطة تحوم حولها شبهات سوء التدبير والمحسوبية. كم طفلا من أطفال عمال البناء أو الباعة المتجولين وصل فعلا إلى هذه المخيمات؟ ليظل حلم الطبقات المسحوقة ليس قضاء عطلة فاخرة، بل أن تمر هذه العطلة بسرعة، وأن يعود الجميع إلى مدارسهم وأعمالهم، حيث تتشابه الأيام وتقل الفوارق وضوحا.


وتبقى الكلمة الأخيرة موجهة مباشرة إلى كل أب وأم تضيق بهما الظروف: إن لم تسمح لكم إمكانياتكم المادية بتحقيق كل رغبات أطفالكم المرتبطة بالعطلة، فلا تسمحوا للضغوط بأن تزيد الطين بلة. فالطفل لا ذنب له سوى أنه وجد نفسه في واقع لم يختره، وتفريغ شحنات الغضب فيه عبر العنف اللفظي أو المعنوي يترك ندوبا أعمق بكثير من حرمانه من رحلة أو لعبة.

 إن أعظم هدية يمكن تقديمها في زمن الحاجة هي الأمان النفسي ومحاولة إدخال البهجة لقلوبهم بأبسط الأمور الممكنة.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 9 يوليو/جويلية 2025
في نفس الركن