كتاب الرأي

الصين : عندما تصبح الرعاية الصحية استراتيجية حرب


لم تعد المواجهة الجيوسياسية الكبرى المقبلة تدور حول النفط أو الغاز أو المعالجات الدقيقة، بل حول الأدوية؟ هناك سيناريو حديث يثير الدهشة: الصين، بعد أن طورت علاجًا ثوريًا ضد السرطان، تغزو تايوان وتستخدم هذا العلاج كورقة ضغط سياسية. قد يبدو هذا افتراضيًا، لكنه شديد الواقعية عند ملاحظة المسار السريع لصناعة الأدوية الصينية



بقلم : محمد ايت بلحسن

الفكرة مروعة : بكين ستسيطر على تايوان، مما يثير غضب الولايات المتحدة. وردًا على أي تدخل عسكري، ستوقف الصين تصدير علاجها المضاد للسرطان إلى السوق الأمريكية. فجأة، ملايين المرضى يجدون أنفسهم محاصرين في صراع جيوسياسي يتجاوزهم، ما يبرز هشاشة الاعتماد الصحي بشكل شديد. هذا السيناريو، رغم كونه دراميًا، يكشف أداة قوة جديدة: الصحة.
 

هذه الفرضية تستند إلى تحولات حقيقية. منذ 2015، أعادت الصين هيكلة نظامها التنظيمي بالكامل. تقلصت مدة الموافقة على التجارب السريرية من 600 يوم إلى أقل من 100 يوم، وهو إنجاز إداري أتاح مجالًا واسعًا للابتكار. كما أدرجت الصين علاجات جديدة ومكلفة ضمن قائمتها الوطنية، ما ضمن سوقًا ضخمة ومستقرة. النتيجة: مليارات الدولارات استثمرت، وتعززت المجتمعات العلمية، وتوسعت القدرة على الابتكار.
 

الأرقام تتحدث عن نفسها : 35 مليون دولار خصصت للبحث الصيدلاني عام 2015، مقابل 15 مليار دولار في 2023. زيادة بأكثر من 400 ضعف في أقل من عقد. نادرًا ما شهد أي قطاع قفزة مماثلة.
 

محرك هذا الصعود لا يكمن فقط في الميزانيات. فقد نسقت بكين عودة واسعة لمواهبها المهاجرة. علماء شغلوا مناصب استراتيجية في أكبر الشركات الأمريكية عادوا إلى الصين، جذبتهم التمويلات السخية والاعتراف الوطني. الدكتور جينسون وانغ، أحد أبرز هؤلاء، يمثل هذا الديناميكية: بعد مسيرة ناجحة في الولايات المتحدة، يقود الآن برامج بحثية في الصين.
 

والسخرية أن السياسة الأمريكية المسماة "مبادرة الصين"، التي تهدف لتقليص نفوذ بكين، سرّعت من هذه هجرة العقول. فبتقييد وصول الباحثين الصينيين للتقنيات الحساسة، دفعت واشنطن هؤلاء إلى العودة إلى وطنهم، مما زاد من قوة المخزون العلمي الصيني.
 

بينما تتقدم الصين، تحافظ الشركات الصيدلانية الغربية الكبرى على هيمنتها عبر براءات الاختراع والدعاوى القضائية واللوبي. لكن هذا النموذج يظهر حدوده أمام دولة استراتيجية تستثمر بكثافة وتجمع الموارد. الشركات الصغيرة، خاصة في البلدان النامية، تجد نفسها مكتوفة اليدين رغم محاولتها إنتاج بدائل أقل تكلفة.
 

في واشنطن، تثير ظلال اعتماد متزايد القلق. بعد أن أضعفت أزمة أشباه الموصلات، التي تهيمن عليها تايوان، الولايات المتحدة ترى ظهور نقطة ضعف جديدة: تأمين الإمدادات الدوائية. بدأ الكونغرس مناقشة قانون للأمن البيولوجي لتقييد الاستثمارات وتحديد الشركات الصينية المهددة للأمن القومي.
 

ما وراء الاقتصاد، يظهر سلاح قوي : القدرة على التحكم في من يعيش ومن يموت من خلال منح أو حرمان الوصول إلى علاج حيوي.
 

هذا التقرير، من خلال طرح سيناريو متطرف، يطرح سؤالًا جوهريًا : هل نحن مستعدون للعيش في عالم تصبح فيه الطب أداة حرب اقتصادية؟ إذا كان النفط هو طاقة القرن العشرين، فقد تصبح الصحة المكافئ الاستراتيجي للقرن الواحد والعشرين.
 

الصين، باستثماراتها الضخمة في البحث الطبي الحيوي، تسعى للعلاج والتمكين العسكري في الوقت ذاته. والغرب، بين الاعتماد والحذر، يجد صعوبة في تقديم رد واضح. ومع ذلك، هناك يقين واحد : الدواء لم يعد مجرد مسألة صحة عامة، بل أصبح مسألة سيادة وطنية واستقرار عالمي


الصين، تايوان، صناعة الأدوية، الحرب الاقتصادية، الابتكار الطبي، الاعتماد الصحي





الاحد 21 سبتمبر 2025

              

تعليمات خاصة بركن «الرأي الحر / ضيوف المنبر / نبض القلم / بلاغات صحفية »
 
الغاية
هذا الركن مفتوح أمام المتصفحين وضيوف الجريدة للتعبير عن آرائهم في المواضيع التي يختارونها، شرط أن تظل الكتابات منسجمة مع الخط التحريري وميثاق النشر الخاص بـ L’ODJ.

المتابعة والتحرير
جميع المواد تمر عبر فريق التحرير في موقع lodj.ma، الذي يتكفل بمتابعة المقالات وضمان انسجامها مع الميثاق قبل نشرها.

المسؤولية
صاحب المقال هو المسؤول الوحيد عن مضمون ما يكتبه. هيئة التحرير لا تتحمل أي تبعات قانونية أو معنوية مرتبطة بما ينشر في هذا الركن.

الممنوعات
لن يتم نشر أي محتوى يتضمن سبّاً أو قدحاً أو تهديداً أو ألفاظاً خادشة للحياء، أو ما يمكن أن يشكل خرقاً للقوانين المعمول بها.
كما يُرفض أي خطاب يحمل تمييزاً عنصرياً أو تحقيراً على أساس الجنس أو الدين أو الأصل أو الميول.

الأمانة الفكرية
السرقات الأدبية أو النقل دون إشارة للمصدر مرفوضة بشكل قاطع، وأي نص يتبين أنه منسوخ سيتم استبعاده.


















Buy cheap website traffic