بدأت هذه الظاهرة كممارسة فردية، لكنها سرعان ما تحولت إلى صيحة ثقافية عالمية، خاصة بين مستخدمي منصة تيك توك، حيث يتفاخر الشباب بروتينهم اليومي في "تعفن السرير"، معتبرينه شكلاً من أشكال العناية الذاتية. وبالنسبة للكثيرين، أصبح السرير ملاذًا آمنًا يمنحهم فرصة لاستعادة الطاقة النفسية والجسدية، وتقديم رسالة صامتة تقول: "أنا أستحق أن أرتاح".
من الكسل إلى العناية الذاتية
ظاهرة "تعفن السرير" ليست مجرد كسل أو تكاسل، بل هي استجابة طبيعية لضغوط الحياة اليومية. فقد تحول هذا السلوك إلى ممارسة مقبولة بصريًا وجماليًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تعرض المقاطع المصورة للسرير المبعثر بالوسائد، البطانيات الدافئة، الهاتف، والوجبات الخفيفة وسط إضاءة ناعمة وموسيقى هادئة. ويصف الكثيرون هذا الروتين بأنه تجربة تعيد شحن طاقتهم، وتسمح لهم بالابتعاد مؤقتًا عن ضغوط العمل والدراسة والمجتمع الذي يفرض حالة دائمة من الإنتاجية.
يقول جيفري غاردير، أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة تورو: "هذه الظاهرة تلقى رواجا بين جيل زد تحديدًا، الذين يعانون من إرهاق وضغوط متواصلة بسبب الدراسة والعمل والعلاقات الاجتماعية". وتضيف كورتني دي أنجليس، أخصائية علم النفس في مستشفى نيويورك بريسبتيريان: "حتى جلسة قصيرة في السرير تساعد على تهدئة الجسم وتخفيف التوتر".
تمرد على ثقافة الإنتاجية
يُنظر إلى "تعفن السرير" على أنه تمرد صغير ضد ثقافة المجتمع التي تمجّد الإنتاجية المستمرة. فبدل أن يكون البقاء في السرير علامة على الكسل، صار يُنظر إليه كخيار واعٍ للراحة، ووسيلة لإعادة التوازن النفسي في عالم يفرض على الشباب أن يكونوا دائمًا في حالة عمل.
غير أن هناك تحذيرات، فكما يوضح رايان سلطان، أستاذ مساعد في الطب النفسي بجامعة كولومبيا: "إذا تحوّل تعفن السرير إلى عادة يومية واستمر أكثر من يوم أو يومين، فقد يكون علامة على الاكتئاب أو مشاكل نفسية أعمق".
التأثيرات الصحية المحتملة
رغم الراحة النفسية التي يمنحها البقاء في السرير، قد يحمل هذا السلوك تأثيرات سلبية على الصحة الجسدية والنفسية. على الصعيد الجسدي، يؤدي الخمول لساعات طويلة إلى مشاكل في الظهر، ضعف العضلات، وزيادة الوزن، فضلاً عن تأثير العادات الغذائية السيئة الناتجة عن تناول وجبات سريعة داخل السرير. أما نفسيًا، فقد يشعر البعض بالعزلة أو الإحباط إذا أصبح السرير الملاذ الوحيد، بينما يجد آخرون في هذه العادة وسيلة لاستعادة النشاط وتحسين المزاج.
نصائح لتحقيق التوازن
للاستمتاع بـ"تعفن السرير" دون الوقوع في فخ العادات غير الصحية، يقترح خبراء الصحة النفسية:
-
تحديد وقت محدد: خصص ساعات معينة في عطلة نهاية الأسبوع بدلًا من جعله عادة يومية.
-
دمج الحركة: مارس تمارين خفيفة مثل التمدد أو التنفس العميق حتى داخل السرير.
-
تنويع الأنشطة: القراءة أو الكتابة الإبداعية بدلاً من التركيز فقط على الهاتف.
-
التواصل الاجتماعي: الحفاظ على الاتصال مع الأصدقاء أو العائلة لتجنب العزلة.
-
مراقبة الصحة النفسية: الانتباه للمشاعر المصاحبة لهذه العادة واستشارة مختص إذا لزم الأمر.
في النهاية، "تعفن السرير" يعكس الحاجة الإنسانية للراحة في عالم صاخب ويجسد وعي جيل جديد بأهمية العناية بالنفس. الاختيار بين البقاء في السرير لاستعادة الطاقة أو الخروج للهواء الطلق يجب أن يكون قرارًا واعيًا، مع الحرص على التوازن بين الصحة الجسدية والنفسي