تشير الدراسات النفسية والاجتماعية إلى أن قلة الوقت المخصص للزوجين، أو حتى للذات الشخصية، تؤدي إلى تراجع الرضا الزوجي، وتصاعد التوتر النفسي، وزيادة الصراعات اليومية. فالعمل المستمر خارج المنزل لساعات طويلة، وتحمل مسؤولية الأولاد في كل مراحل حياتهم، من تعليم ونقل ورعاية، يمتصان طاقة الزوجين ويقضيان على فرص التواصل الحقيقي بينهما. من هنا يظهر مفهوم “الوقت الزوجي” و”وقت الذات” كضرورة حيوية للحفاظ على صحة العلاقة الأسرية والنفسية.
إن الوقت الذي يقضيه الزوجان معًا، بعيدًا عن الضغط اليومي، لا يجب أن يُنظر إليه كترف، بل كاستثمار استراتيجي للحياة الزوجية. يمكن أن يشمل هذا الوقت نشاطات بسيطة مثل الحديث الصادق عن اليوم وما مر به كل طرف، مشاركة وجبة عشاء هادئة، أو القيام بنزهة قصيرة في الطبيعة. الأهم هو أن يكون هذا الوقت خاليًا من المشتتات الرقمية كالهواتف والتلفاز، لتصبح اللحظات فعليًا مساحة للتواصل النفسي والعاطفي، يعزز فهم الطرفين لبعضهما ويعيد إشعال شرارة العلاقة.
من جهة أخرى، يحتاج كل زوج إلى تخصيص وقت لنفسه بعيدًا عن الشريك والأولاد، من أجل استعادة طاقته، ممارسة هواية، أو ممارسة الرياضة، وحتى لحظات صمت للتأمل. هذا الوقت الشخصي ليس أنانية، بل عنصر أساسي للحفاظ على الصحة النفسية، وتقليل مستويات التوتر. فالزوجان اللذان يهتمان بأنفسهما يقدمان نموذجًا صحيًا للأطفال، ويزيدان من قدرة الأسرة على مواجهة ضغوط الحياة اليومية.
التحدي الأكبر يكمن في تنظيم الوقت وسط ضغوط العمل، حيث غالبًا ما تكون ساعات العمل الرسمية طويلة، وتفرض التزامات مهنية إضافية خارج الدوام، مع اجتماعات، مراسلات إلكترونية، أو مهام مفاجئة. هنا تصبح القدرة على التخطيط وإدارة الوقت مهارة حياتية لا غنى عنها. يمكن للزوجين الاتفاق على جدول أسبوعي يحدد أوقاتًا ثابتة للقاء المشترك، ويترك مجالًا للوقت الفردي، مع الالتزام به قدر الإمكان، ما يخلق شعورًا بالثبات والالتزام المتبادل.
علاوة على ذلك، يمكن للأنشطة المشتركة مع الأطفال أن تتحول إلى فرص لتعزيز الروابط الأسرية، لكن يجب الفصل بين وقت الأسرة ككل ووقت الزوجين فقط، لضمان استمرار العلاقة العاطفية بينهما بعيدًا عن دور الأبوين فقط. فالأطفال بحاجة إلى آباء متوازنين نفسيًا، قادرين على الحب والاهتمام، وليس مجرد منفذي واجبات يومية.
تجارب الحياة اليومية تظهر أن الأزواج الذين يخصصون وقتًا لأنفسهم ولعلاقتهم بشكل منتظم، يتمتعون بصحة نفسية أفضل، ويقل لديهم الشعور بالإرهاق أو الاستياء من الروتين اليومي. كما تظهر دراسات حديثة أن الاستثمارات الصغيرة في الوقت الزوجي، مثل محادثة لمدة 20 دقيقة مساءً، أو نزهة نهاية الأسبوع، لها تأثيرات إيجابية كبيرة على رضا الزوجين، وتقليل احتمالية النزاعات الحادة أو الانفصال العاطفي.
ختامًا، لا يمكن للأزواج الموازنة بين ضغوط العمل وتربية الأبناء بنجاح إذا أهملوا أهمية الوقت لأنفسهم ولعلاقتهم. الوقت الزوجي ووقت الذات ليس رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على الحياة العاطفية، الصحة النفسية، واستقرار الأسرة بأكملها. في عالم سريع ومتطلب، يكون الزوجان أحيانًا أول من يهمش ذاتهما، لكن الاستثمار في العلاقة والذات هو ما يحافظ على استمرارية الأسرة ويخلق نموذجًا متوازنًا للأطفال، نموذجًا يربط بين الحب، الانضباط، والرفاهية النفسية، بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية.