تكتسي هذه العملية أهمية خاصة بالنظر إلى المعطيات التي تم الكشف عنها، فالمشتبه فيهم لم يكونوا فقط في طور التفكير أو التلقين، بل كانوا بالفعل في مرحلة متقدمة من الإعداد العملي، حيث شرعوا في إجراء تجارب ميدانية في مناطق جبلية بتطوان، لصناعة عبوات ناسفة، وهو ما يدل على خطورة المخطط، ودقة المراقبة الأمنية التي سمحت بإجهاضه في الوقت المناسب.
البيان الرسمي للمكتب المركزي كشف عن حجز أدلة مادية تعزز فرضية الانتماء العقائدي والتنظيمي للمجموعة إلى "داعش"، من بينها مخطوطات تتضمن "البيعة"، وتسجيلات مرئية توثق لها، بالإضافة إلى راية ترمز للتنظيم الإرهابي، وأزياء ذات دلالات دينية متطرفة. كما عُثر على نماذج أسلحة ومجموعة من الأجهزة الإلكترونية التي يُرجح استخدامها في التنسيق أو التلقين، وستُخضع للتحقيق الرقمي.
اللافت في هذه العملية، ليس فقط سرعة التدخل أو الحجم المحدود للخلية، بل السياق الذي تعمل فيه هذه الخلايا، والذي يُظهر أنها لا تزال تتغذى على نفس المقولات والدوافع التي أثبتت فشلها تاريخياً، لكنها تبحث عن تجديد التعبئة والتجنيد عبر بيعة رمزية واستعراض ولاء لقيادة تنظيمية فقدت الكثير من قوتها الجغرافية والعسكرية، لكنها ما زالت تلهم بعض الأفراد في مناطق معزولة.
هذا المعطى يثير تساؤلات حول قدرة "داعش" على الاحتفاظ بامتدادات فكرية وتنظيمية رغم فقدانه لمرتكزاته في سوريا والعراق، ويؤكد بالمقابل على اليقظة الأمنية المغربية ونجاعة المقاربة الاستباقية التي تعتمدها المملكة منذ سنوات، والتي مكنت من تفكيك عشرات الخلايا ومنع مئات العمليات التخريبية المحتملة.
المثير أيضاً، أن أغلب الخلايا التي تم تفكيكها في السنوات الأخيرة تتكون من شباب في مقتبل العمر، ما يطرح مجدداً التحدي المرتبط بالوقاية الفكرية، والتنشئة الاجتماعية، وتحقيق الإدماج الفعلي في محيط يوفر بدائل عن التطرف، بما في ذلك تحسين ظروف العيش، وتقوية البرامج التعليمية والدينية، والرقابة الرقمية.
ولا يمكن عزل هذه العملية عن التحولات الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة، بما فيها التهديدات القادمة من منطقة الساحل، حيث تنشط تنظيمات إرهابية في ظل هشاشة أمنية، والتي قد تشكل، بشكل مباشر أو غير مباشر، مصدر إلهام أو دعم لهذه الخلايا. كما أن المغرب، الذي يتعاون استخباراتياً مع شركائه الإقليميين والدوليين، يدرك أن خطر الإرهاب اليوم لم يعد مرتبطاً بحدود جغرافية، بل يتحرك على شكل شبكات و"ذئاب منفردة" قد تُنفذ مشاريع كبرى بوسائل بسيطة.
وبناءً على ما أُعلن، فإن التحقيقات التي يشرف عليها القضاء المختص بقضايا الإرهاب ستسعى إلى معرفة ما إذا كانت هذه الخلية جزءاً من شبكة أكبر، أو على صلة بمخططات أخرى داخل المغرب أو خارجه، مما قد يفتح المجال لمزيد من التوقيفات أو التدخلات الاحترازية