كتاب الرأي

الاحتجاج الطلابي بين العفوية والتنظيم الرمزي: قراءة في حادثة طرد سعد الدين العثماني من كلية الآداب تطوان


إن حادثة طرد رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني من كلية الآداب بتطوان تطرح تساؤلا مركزيا يتجاوز الفعل الظاهر: هل كان هذا الطرد فعلا انفعاليا عفويا، أم نتيجة لوعي جماعي منظم يعكس ديناميات اجتماعية أعمق؟



بقلم: فؤاد يعقوبي، دارس لعلم النفس الاجتماعي في السياق المغربي

في ضوء علم النفس الاجتماعي، لا يمكن اختزال مثل هذا الحدث في لحظة غضب طارئة أو رد فعل فردي. بل هو سلوك جماعي ذو حمولة رمزية، تشكل نتيجة تفاعل مركب بين الذاكرة الجمعية، والهوية الاجتماعية، والمواقف الأخلاقية الجماعية.

حين يتخذ الطلبة موقفا موحدا من شخصية سياسية، فإن ذلك لا يحصل في فراغ. بل يتم من خلال سلسلة من العمليات النفسية والاجتماعية، أهمها ما يسمى بـإنتاج المعنى الجماعي. في حالة العثماني، لم ينظر إليه كشخصية علمية أو مهنية، بل كممثّل سياسي لمرحلة وقعت خلالها الدولة المغربية اتفاق تطبيع مع إسرائيل. هذا الاتفاق، وبغض النظر عن مضمونه الدبلوماسي، أصبح في المخيال الطلابي رمزا للخذلان والخيانة للقضية الفلسطينية، وهي قضية مركزية في الوجدان الأخلاقي للجماعة.

من خلال هذا التأطير الرمزي، يعاد تعريف الضيف ليس على أساس صفته المهنية أو الأكاديمية، بل على أساس مكانته في خارطة الرموز السياسية. وهنا يظهر ما يسمى بـالتصنيف الاجتماعي، حيث يدمج الشخص ضمن فئة "الخارجين عن قيم الجماعة"، وهو ما يبرر الرفض والطرد.

لو كان الأمر مجرد انفعال لحظي، لكان قد صدر من طالب أو اثنين، وتوقف سريعا. لكن ما حدث هو سلوك جمعي منظم، تخلله شعارات سياسية، ورموز بصرية، وتعبئة داخل الفضاء الجامعي. هذا يدل على أن الفعل نابع من وعي طلابي متراكم، تشكل عبر سنوات من التفاعل مع قضايا الأمة، والتنشئة على الرمزية الأخلاقية لفلسطين، ومعاداة "التطبيع" كموقف جماعي متجذر.

كما يظهر هذا الفعل الجماعي عنصرا آخر من علم النفس الاجتماعي، وهو التماهي الجماعي والانفعال المشترك. الطلبة لم يتحركوا فقط لأنهم يرفضون قرارا سياسيا، بل لأنهم يشعرون بانتماء مشترك، وقيمة معنوية يجب الدفاع عنها. فالطرد في هذا السياق يصبح ليس مجرد رد فعل، بل أداء رمزياً لتأكيد الهوية الأخلاقية، وإعادة رسم حدود "من معنا ومن ضدنا".

ختاما، يمكن القول إن ما حدث في كلية تطوان لم يكن سلوكا مفتعلا أو عشوائيا، بل فعلا جماعيا مقصودا وواعيا، يعبر عن تمثلات راسخة، ويؤكد أن الجامعة ليست فقط فضاء أكاديميا، بل أيضا ساحة لتشكيل الوعي السياسي والموقف الأخلاقي في وجدان الأجيال الصاعدة.




الخميس 5 يونيو 2025

              

تعليمات خاصة بركن «الرأي الحر / ضيوف المنبر / نبض القلم / بلاغات صحفية »
 
الغاية
هذا الركن مفتوح أمام المتصفحين وضيوف الجريدة للتعبير عن آرائهم في المواضيع التي يختارونها، شرط أن تظل الكتابات منسجمة مع الخط التحريري وميثاق النشر الخاص بـ L’ODJ.

المتابعة والتحرير
جميع المواد تمر عبر فريق التحرير في موقع lodj.ma، الذي يتكفل بمتابعة المقالات وضمان انسجامها مع الميثاق قبل نشرها.

المسؤولية
صاحب المقال هو المسؤول الوحيد عن مضمون ما يكتبه. هيئة التحرير لا تتحمل أي تبعات قانونية أو معنوية مرتبطة بما ينشر في هذا الركن.

الممنوعات
لن يتم نشر أي محتوى يتضمن سبّاً أو قدحاً أو تهديداً أو ألفاظاً خادشة للحياء، أو ما يمكن أن يشكل خرقاً للقوانين المعمول بها.
كما يُرفض أي خطاب يحمل تمييزاً عنصرياً أو تحقيراً على أساس الجنس أو الدين أو الأصل أو الميول.

الأمانة الفكرية
السرقات الأدبية أو النقل دون إشارة للمصدر مرفوضة بشكل قاطع، وأي نص يتبين أنه منسوخ سيتم استبعاده.


















Buy cheap website traffic