ما يلفت الانتباه في إحاطته، هو تلك النزعة العاطفية التي رافقت بعض مقاطع التقرير، خصوصاً حين استعمل شهادة انتقائية لشابة من مخيمات تندوف وكأنها تختصر معاناة شعب كامل. إنه توجه دعائي، يعيد استنساخ الخطاب الإنساني الذي طالما وظفته جيهة البوليساريو وحلفاؤها لخلق تعاطف دولي، رغم غياب أي مجهود لرصد معاناة الصحراويين المحتجزين في ظروف استثنائية.
الأدهى أن المبعوث الشخصي للأمين العام، الذي يُفترض فيه التحلي بالحياد، أغفل بشكل واضح دعوة باقي الأطراف إلى تحمل مسؤولياتها. فبينما يشترط على المغرب توضيح مبادرة الحكم الذاتي، تجنب ديميستورا توجيه أي انتقاد صريح للجزائر، والتي تبقى الفاعل الرئيسي في النزاع. هذا التواطؤ الصامت يعكس خللاً في مقاربة ديميستورا ، الذي فضل الاستكانة إلى التوازنات السياسية بدل ممارسة الضغط حيث يجب.
وما يُثير الانتباه أكثر، هو أن ديميستورا لم يمنح الحيّز الكافي للموقف الأمريكي الذي بات يشكل تحولاً نوعيًا في تعاطي القوى الكبرى مع الملف. فالثابت من إحاطته، أن التصريح الرسمي الصادر عن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، بتاريخ 8 أبريل 2025، لم يكن غائبًا عن ذهنه، لا سيما أن واشنطن جدّدت عبر هذا التصريح اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ودعمها الواضح لمقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد الواقعي والدائم للنزاع.
أما الإلحاح على مفهوم «الاستقلالية الحقيقية» في مقترح الحكم الذاتي، فهو يشي بمحاولة لإعادة فتح نقاش تجاوزه الواقع الدبلوماسي. ذلك أن مبادرة المغرب، التي حظيت بدعم قوى دولية كبرى من بينها الولايات المتحدة، لم تعد مجرّد خيار تفاوضي، بل باتت أساس أي تسوية محتملة. الإصرار على «توضيح» مضمونها لا يُفهم إلا كنوع من التشكيك المتجدد في صدقيتها، في وقت كان يُفترض أن يتم تثمينها كحل عملي وممكن.
والمقلق أكثر هو إعادة إدخال مصطلح «تقرير المصير» في سياق إحاطة يُفترض بها أن تعكس توازن المواقف. فالمصطلح، وإن ورد مواربًا، يعيد النقاش إلى مأزق الاستفتاء الذي ثبت فشله منذ عقود. الإصرار على هذا الخيار لم يعد يمثل حلًا، بل يشكل عائقًا نفسيًا وسياسيًا يحول دون تقدم أي مسار تفاوضي جدي.
أما على مستوى التموقع الإقليمي، فإن إحاطة دي ميستورا تجاهلت عمدًا الأبعاد الجيوسياسية الجديدة التي تؤكد دور المغرب كفاعل مركزي في استقرار المنطقة، وكشريك موثوق في ملفات استراتيجية مثل الأمن والهجرة والطاقة. وهذا التجاهل ليس بريئًا، بل يبدو كأنه جزء من محاولة إبقاء الملف في زمنه البارد، مع تجاهل التحولات المتسارعة التي يفرضها الواقع.
ثم إن تفادي أي إحالة إلى مسؤولية الجزائر المباشرة، رغم أنها الدولة الحاضنة والممولة والداعمة دبلوماسيًا للبوليساريو، يُعدّ تناقضًا جوهريًا في منطق الإحاطة. لا يمكن الحديث عن حل سياسي شامل دون الاعتراف بأن طرفًا محوريًا لا يزال يرفض الجلوس على طاولة المفاوضات كطرف رئيسي، ويواصل التصعيد السياسي والإعلامي بدل المساهمة في التهدئة
إن استمر المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في تبنّي مقاربات مترددة، وتغليف التحيز بالخطاب الإنساني، فإن أفق التسوية سيظل مغلقًا، القضية لم تعد في حاجة إلى تقارير مبللة بالحذر، بل إلى إرادة سياسية صادقة، ووساطة تملك الشجاعة لتسمية الأطراف وتحميلها المسؤولية بشكل مباشر