يحدث في الحياة أن نلتقي بأشخاص يغيرون أقدارنا، يحدث أن نتعثر بمن يملكون مفاتيح السعادة فيأخذون أحلامك بلطف ويجعلونها ترقص أمامك وانت لا تصدق أنك لست نائما .
كنت في المغرب وطني الإبداعي أتنقل بين الأمكنة وأتحاور مع الشخصيات من حولي وكأني داخل رواية ساحرة عندما لفتت انتباهي الكاتبة الموريتانية مكفولة بنت أكاط بلباسها الموريتاني الجميل، لم تكن لي صداقات مع موريتانيين غير بعض العلاقات العابرة منذ أيام الجامعة ، لذلك كنت أحب أن أتحدث معها وأنصت إلى لهجتها الجميلة، غير أن أهم ما لفت انتباهي ذكائها الشديد وأفكارها التنويرية ، في بهو الفندق ، في المطعم في قاعة الاستقبال كنت أتجاذب أطراف الحديث معها وأشعر كأني أحاور مجموعة من الأفكار المنفتحة على الحياة ، كنت حينها أرى موريتانيا بلاد مجهولة وغامضة وكانت مكفولة عندما تتحدث عن موريتانيا فكأنها تتحدث عن زهرة برية نادرة أو عن كوكب يفيض بالمحبة .
كان يمكن أن تنتهي صداقتنا بانتهاء الملتقى الثقافي الذي جمعنا في الرباط غير أن حوار العقول لا يذبل ، لذلك كانت سعادتي كبيرة جدا عندما تمت استضافتي لحضور فعاليات الإعلان عن نواكشوط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2023، وكانت أول مرة أشد الرحال في اتجاه نواكشوط .
دخلتُ المدينة ليلا ، بدا المطار هادئا كأنه يستريح بدوره من فوضى النهار ، غير أني سأكتشف لاحقا أن الهدوء هو أبرز سمات هذه المدينة ، عندما استيقظت في الصباح في فندق “موري سنتر” اختارت مضيفتي أن أبدأ يومي بلقاء البحر والبحر في موريتانيا يختلف عن كل بحار العالم، انه فسيح تمتد شطآنه على آلاف الكيلومترات وما يميزه انه ملقى على الرمال كما ولدته امه أو لنقل كما أنجبته الطبيعة ، لا تقترب منه المباني إلا نادرا ولا تتواصل معه الأرصفة إلا عن بعد بيّن بحيث ظل البحر مستلقيا بهدوء وعلى ظهره تتمايل زوارق الصيد كأنها فراشات تحط على ظهر أزرق فسيح ، رغم أننا كنا في شهر جانفي/ يناير لكن بعض الأطفال يقفزون وسط الأمواج كأنهم أسماك صغيرة ضاحكة ، تركت مرافقي السائق عبد الله وانطلقت على الشاطئ الرحب أعدو على الرمال الصافية منطلقة بحرية ليس لي من هدف سوى الاستمتاع بهذا الشاطئ البكر والمتكاسل الذي يُلوّح بأمواجه مبتسما .
في موريتانيا من السهل جدا أن تعقد صداقات مع البحر وأمواجه وأيضا مع العائلات وأطفالهم لذلك كانت تكفي ابتسامة مني حتى أجد طفلا يعدو في اتجاهي ضاحكا، كان اسمه آدم وتحول بعد لحظات إلى أصغر أصدقائي في نواكشوط .