كتاب الرأي

إحسان الحافظي يكتب: المغرب وتحديات العبور الأطلسي لدول الساحل


فرقٌ بين من يدفع نحو ربط الساحل الإفريقي بالبحار وبين من أغرقها بتنظيمات إرهابية وليعبث بأمنها ويدفع سكانها على الانفصال.



لمبادرة المغربية لتسهيل عبور دول الساحل، تشاد ومالي وبوركينافاسو والنيجر، نحو المحيط الأطلسي تناقض تماما ما فعله النظام العسكري الجزائري في هذه المنطقة من إفريقيا لسنوات، حيث أغرقها على مدار سنوات بالأسلحة وربط علاقات استخباراتية مع قيادات متطرفة وشجعها على التمدد!


اليوم، تبدو دول الساحل محظوظة بـ« العسكاريتاريا » التي تحكمها لأن قيادات الجيش أكثر معرفة بالواقع الميداني وبما فعله النظام العسكري الجزائري بحدودها وكيف جعل من الساحل ساحة للإرهاب والانفصال.


تشكل المبادرة المغربية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي واحدة من أجوبة غير تقليدية عن أزمة الدولة في منطقة الساحل، فكل المقاربات الأمنية والعسكرية لم تحقق غير الفوضى والمزيد من التفكك والمخاطرة بسيادة هذه الدولة بفعل أجندة ضاغطة لدول مثل الجزائر وفرنسا، وباستخدام أخطر أوراق هذه الأجندة: الإرهاب!


تاريخيا، استفادت العديد من الجماعات الإرهابية التي نشأت في منطقة الساحل من البنية التنظيمية والبشرية التي وفرتها الجماعة الإسلامية المقاتلة الجزائرية (جيا)، قبل أن تأخذ اسم فرع « تنظيم القاعدة ». كان الغرض من هذاُ التحول إعطاء بُعد إقليمي للجماعة والتمويه على ارتباطاتها بالجزائر فأصبحت « القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ».


ولعل الكثير من قيادات الجيش في منطقة الساحل تحديدا، يعرفون كيف أن المخابرات الجزائرية (DRS) استغلت الحرب على الإرهاب، بعد العشرية السوداء، من أجل الدفع بأفراد الجماعات الإرهابية من أصول جزائرية نحو الاستقرار شمال مالي ومنه التمدد في الصحراء الكبرى. بينما حافظ جزائريون من أمثال حسن حطاب وخليفته نبيل صحراوي ومختار بلمختار وصولا إلى عبد المالك درودكال على قيادة هذه التنظيمات المحلية، التي تم ربطها لاحقا بالدائرة العالمية للإرهاب من خلال مبايعة « القاعدة » لتحقيق التفاعل المتنامي مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال وتوسعها في الساحل من خلال تشكيل خلايا إرهابية وتنشيط شبكة إقليمية في منطقة الساحل والصحراء، مهمتها جني الأموال عبر التهريب وتجارة الأسلحة واختطاف الأجانب للمطالبة بالفدية.


الإرهاب في الساحل صناعة جزائرية. وكل التشابكات التي نسجتها هذه الجماعات المتطرفة في المنطقة جرت تحت أعين المخابرات الجزائرية التي سعت إلى تقويض أمن الساحل من جهة، واقتراح حلول سياسية ودبلوماسية عبر وساطات ورعاية اتفاقيات لتطويق دول الساحل وثرواتها من جهة ثانية. ولعل واحدة من أسباب الأزمة بين مالي والجزائر، رفض السلطات العسكرية في مالي الرد على طلب جزائري باستغلال مشترك للثروات النفطية في شمال مالي عبر « سونتراك »، فبادرت الجزائر إلى ابتزاز سلطات مالي عبر التواصل مع معارضين والعبث بأمن جارتها الجنوبية.


في سنة 2007 صدر تقرير لمركز الأبحاث « كارينغي » بعنوان « هل تصبح القاعدة إفريقية مستقبلا؟ ». التقرير استند إلى تنامي نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، وكيف أنها جعلت من هذه المنطقة قاعدة خلفية لتدريب وتصدير المقاتلين في صفوف « القاعدة » حينها، وكان من الطبيعي أن تتحول هذه الحاضنة إلى قاعدة مستقبلا لنشاط الجماعات المتطرفة. لكن التقرير لم يتوقع أن يصل الأمر بنظام سياسي إلى اللعب بورقة الإرهابيين. هذه الازدواجية فضحتها العملية العسكرية التي نفذها « كتيبة الموقعون بالدم » لمختار بلمختار على موقع « عين أميناس » جنوب شرق الجزائر سنة 2013. يومها وقع تسريب مكالمة هاتفية بين قيادات الجيش الجزائري وعناصر من التنظيم الإرهابي يشتكي عدم احترام العسكر لاتفاقهم حول كيفية إنهاء هذه الهجمات، فتبث أمام الجميع تورط المخابرات الجزائرية في تنسيق هذه العملية التي راح ضحيتها عمال من جنسيات أجنبية كانوا في الموقع.


ضمن هذا السياق وتحولاته، يمكن أن نقرأ تحرك دول الساحل نحو المغرب، فالقرار سيادي يحمل رسائل واضحة مفادها أن هذه البلدان لن تسمح لأحد بالعبث بأمنها واستقرارها وأن اللعبة الاستخباراتية انكشفت، وأنه لا النظام العسكري في الجزائر نفسه، ولا كفيلته فرنسا، قادرين على وقف التحول نحو بناء الدولة الوطنية في الساحل، باقتصاد مندمج عابر للحدود نحو الفضاء الأطلسي وأمن مشترك يرعاه اتفاق الدفاع الثلاثي بين النيجر ومالي وبوركينافاسو الموقع في « ليبتاكو غورما » يقتضي الرد المشترك على أي هجوم تتعرض له دولة عضو في الاتفاق.


بالمقابل، تشي ردة الفعل الأولية للجزائر على هذا التقارب بين المغرب ودول الساحل وتصريح وزير خارجيتها بالقول إن « الجزائر تسارع لإيجاد حل مع المغرب »، أن الجارة الشرقية تنظر إلى هذا التقارب من منظور عقيدتها السياسية العدائية المستحكمة، وتعتبره بمثابة مناكفة ديبلوماسية كما تفعل هي دائما حينما يتعلق بالمصالح الحيوية للمملكة، وهو تقدير خاطئ وبليد لا يفقه في التحولات الجيواستراتيجية الجارية في المنطقة بوجود فاعلين جدد.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 28 ديسمبر 2023

في نفس الركن
< >

الاربعاء 10 يوليوز 2024 - 11:18 قراءة في كتاب "إسبانيا الآن.."


              




مدار اليوم
12:00

نوال المتوكل تنتخب نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية

نوال المتوكل تنتخب نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية
في اليوم الثاني من الدورة 142 لاجتماع اللجنة الأولمبية الدولية في باريس، تم انتخاب البطلة الأولمبية المغربية السابقة نوال المتوكل نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية، إلى جانب الأرجنتيني جيراردو فيرثين. ستبدأ ولايتهما في 10 أغسطس، خلفًا لجون كوتس وسير ميانغ إنغ. تهانينا لنوال المتوكل على هذا الإنجاز الكبير الذي يعكس تميز الرياضة المغربية على الساحة الدولية!
11:57

ميمي الأبيض تحتفل بظهور كجوهراتها في "EMILY IN PARIS"

ميمي الأبيض تحتفل بظهور كجوهراتها في "EMILY IN PARIS"
أعربت ميمي الأبيض عن فرحتها الكبيرة بارتداء بطلات سلسلة "إيميلي في باريس" لمجوهراتها الخاصة بعلامتها التجارية المغربية. وشاركت ميمي مقطعاً تشويقياً للموسم الجديد من المسلسل عبر حسابها على إنستغرام، معلقة: "جد متشوقة لكشف جزء من العرض التشويقي من “إيميلي في باريس” الذي نشرته نتفليكس في موسمه الرابع، حيث يمكنكم رؤية بطلات المسلسل يرتدي مجوهرات من تصميمي". تهانينا لميمي على هذا الإنجاز الرائع الذي يبرز الثقافة والإبداع المغربيين على الساحة العالمية!
11:55

إطلاق منصة "سيدا وسل" لتعزيز التوعية الصحية في المغرب

إطلاق منصة "سيدا وسل" لتعزيز التوعية الصحية في المغرب
تم إطلاق المنصة التفاعلية «سيدا وسل» (Sidawasoul.ma) يوم الأربعاء 24 يوليوز بالرباط، بهدف توفير فضاء آمن لتبادل المعلومات والنقاش حول مرضي السيدا والسل. المبادرة تأتي من الجمعية المغربية للتضامن والتنمية، بدعم من شركاء حكوميين وغير حكوميين، كجزء من برنامج «تسريع الاستجابة لمرض السيدا والسل في المغرب في أفق 2030».

تهدف المنصة إلى تحسين الوقاية والعلاج من هذين المرضين من خلال توفير معلومات علمية وطبية موثوقة، وتشجيع الحوار المجتمعي حول التحديات الصحية. تُعد هذه الخطوة جزءاً من جهود متكاملة لتعزيز النظام الصحي الوطني وتحسين جودة الحياة للأفراد المصابين.














القائمة الجانبية الثابتة عند اليمين





Buy cheap website traffic