فالفضاء الرقمي في المغرب لا يُعد فقط ساحة مفتوحة للترفيه أو الاستهلاك، بل تحول خلال السنوات الأخيرة إلى المتنفس الوحيد لفئات واسعة من المواطنين، بعدما تراجعت وسائل الإعلام التقليدية عن دورها الحواري. هناك من لا يجد اليوم سوى "البوست" أو "التغريدة" وسيلةً للتعبير عن رأيه، في ظل انسداد مساحات النقاش العمومي المؤسساتي. فهل يعني تنظيم المحتوى الرقمي ضبطاً مستحقاً أم تمهيداً للرقابة المُقنعة؟
المشروع المطروح يذهب نحو توسيع صلاحيات هيئات قائمة، مثل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لتشمل ليس فقط ما يُبث عبر الأثير، بل أيضًا ما يُكتب وينتشر على الشبكات الاجتماعية. كما يتحدث المشروع عن تعريف قانوني للمنصات الرقمية، وعن التزامات جديدة لحماية القاصرين ومحاربة "الأخبار الزائفة". كل هذا يبدو معقولًا في الظاهر، لكنه يضع الأصابع مباشرة على مفاصل حرية التعبير، خاصة حين يتعلق الأمر بمفاهيم مطاطة كالتحريض أو الإساءة أو التلاعب بالمعلومة.
الهاجس الأمني حاضر. كذلك، هاجس حماية القيم والثوابت الوطنية. لكن المشكلة أن هذه النوايا كثيرًا ما تُترجم في بلدان عديدة إلى أدوات لمحاصرة النقد، خاصة حين يكون موجهاً للسياسات الرسمية أو للمؤسسات الكبرى. وقد أثبتت التجارب المقارنة أن قوانين "تنظيم الفضاء الرقمي"، إذا لم تُصغ بتوازن وشفافية، تتحول بسهولة إلى سيوف مسلطة على رقاب المدونين والصحفيين والمواطنين الناشطين.
الواقع يشهد أن الملاحقات القضائية المرتبطة بمحتويات منشورة على الشبكات الاجتماعية في المغرب في تزايد، وهو ما يغذي الخوف من أن تكون القوانين القادمة مجرد "تقنين" لصيغة التضييق. الأهم في هذا المسار هو الإقرار بأن التنظيم لا ينبغي أن يتم من منطلق المنع، بل من منطلق التمكين. تمكين المستخدم من أدوات فهم وتحليل المحتوى، وتربية الأجيال على الاستقلالية الرقمية، بدل الرهان فقط على فلاتر المؤسسات.
الجدل في النهاية يتجاوز تفاصيل القانون إلى سؤال أعمق: هل نثق في المواطن ليعبّر، أم نعامله كمشتبه به دائمًا؟ وهل حماية الفضاء الرقمي تمرّ عبر سن قوانين ردعية، أم عبر بناء بيئة رقمية تشجع على النقد المسؤول والحوار الديمقراطي؟
ربما آن الأوان لإعادة التفكير في العلاقة بين الدولة والفضاء الرقمي، لا باعتباره ميدانًا للفوضى أو فقط تهديدًا يجب ضبطه، بل كمجال أساسي لممارسة المواطنة الحديثة. فالرقابة ليست حماية بالضرورة، والحماية لا تبرر دائمًا التضييق.
المشروع المطروح يذهب نحو توسيع صلاحيات هيئات قائمة، مثل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لتشمل ليس فقط ما يُبث عبر الأثير، بل أيضًا ما يُكتب وينتشر على الشبكات الاجتماعية. كما يتحدث المشروع عن تعريف قانوني للمنصات الرقمية، وعن التزامات جديدة لحماية القاصرين ومحاربة "الأخبار الزائفة". كل هذا يبدو معقولًا في الظاهر، لكنه يضع الأصابع مباشرة على مفاصل حرية التعبير، خاصة حين يتعلق الأمر بمفاهيم مطاطة كالتحريض أو الإساءة أو التلاعب بالمعلومة.
الهاجس الأمني حاضر. كذلك، هاجس حماية القيم والثوابت الوطنية. لكن المشكلة أن هذه النوايا كثيرًا ما تُترجم في بلدان عديدة إلى أدوات لمحاصرة النقد، خاصة حين يكون موجهاً للسياسات الرسمية أو للمؤسسات الكبرى. وقد أثبتت التجارب المقارنة أن قوانين "تنظيم الفضاء الرقمي"، إذا لم تُصغ بتوازن وشفافية، تتحول بسهولة إلى سيوف مسلطة على رقاب المدونين والصحفيين والمواطنين الناشطين.
الواقع يشهد أن الملاحقات القضائية المرتبطة بمحتويات منشورة على الشبكات الاجتماعية في المغرب في تزايد، وهو ما يغذي الخوف من أن تكون القوانين القادمة مجرد "تقنين" لصيغة التضييق. الأهم في هذا المسار هو الإقرار بأن التنظيم لا ينبغي أن يتم من منطلق المنع، بل من منطلق التمكين. تمكين المستخدم من أدوات فهم وتحليل المحتوى، وتربية الأجيال على الاستقلالية الرقمية، بدل الرهان فقط على فلاتر المؤسسات.
الجدل في النهاية يتجاوز تفاصيل القانون إلى سؤال أعمق: هل نثق في المواطن ليعبّر، أم نعامله كمشتبه به دائمًا؟ وهل حماية الفضاء الرقمي تمرّ عبر سن قوانين ردعية، أم عبر بناء بيئة رقمية تشجع على النقد المسؤول والحوار الديمقراطي؟
ربما آن الأوان لإعادة التفكير في العلاقة بين الدولة والفضاء الرقمي، لا باعتباره ميدانًا للفوضى أو فقط تهديدًا يجب ضبطه، بل كمجال أساسي لممارسة المواطنة الحديثة. فالرقابة ليست حماية بالضرورة، والحماية لا تبرر دائمًا التضييق.