صحتنا

هل تساعد تطبيقات النوم فعلًا على تحسين جودة نومنا؟


في زمن تتسارع فيه إيقاعات الحياة، لم يعد اضطراب النوم مجرد حالة عابرة، بل بات ظاهرة واسعة الانتشار. يكشف آخر تقرير للمعهد الوطني للنوم واليقظة في فرنسا (ربيع 2025) أن أكثر من ربع الفرنسيين يعانون من النعاس خلال النهار، وأن قرابة نصفهم يصرّحون بوجود اضطرابات في النوم مثل الأرق، اضطراب الإيقاع الزمني أو انقطاع النفس أثناء النوم. كما يُظهر التقرير أن نسبة كبيرة منهم لا يحصلون على أكثر من ست ساعات من النوم في أيام العمل، وهو وقت غير كافٍ لاستعادة الطاقة الجسدية والذهنية.



أمام هذا الواقع، ازدهرت تطبيقات النوم المنتشرة على الهواتف الذكية، مثل Calm وSleep Cycle وBetter Sleep وPetit Bambou، واعدةً مستخدميها بليالٍ أكثر هدوءًا وقدرة أفضل على الاستغراق في النوم. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل تنجح هذه التطبيقات فعلًا في معالجة اضطرابات النوم؟

فعالية محدودة… لكنها موجودة
يرى البروفسور بيار إيسكورّو، طبيب القلب والخبير في طب النوم، أن هذه التطبيقات تمتلك دورًا مهمًا في الحالات البسيطة فقط، إذ تساعد الأشخاص الذين يعانون من توتر خفيف أو صعوبات عابرة في النوم. فهي تسهّل الاسترخاء، تخفّض مستوى القلق، وتُلهي العقل عن دائرة الأفكار السلبية التي غالبًا ما ترافق لحظات الاستلقاء.

لكن البروفسور يوضح في المقابل أنّ هذه التطبيقات لا يمكن، بأي حال، أن تكون بديلاً عن التشخيص الطبي الحقيقي، خصوصًا لدى من يعانون من أرق مزمن أو اضطرابات تتطلب علاجًا متخصصًا.

تطبيقات تعتمد على الاسترخاء والتأمل
تسعى فئة من التطبيقات إلى تحسين النوم عبر تقنيات الاسترخاء، التأمل، وتمارين التنفس، مثل تطبيقات Calm أو Slumber. وتفيد هذه البرامج خصوصًا الأشخاص الذين يرتبط أرقهم بالقلق أو بالضغط النفسي.
فالأصوات الهادئة، التأملات الموجّهة، وقصص النوم، كلها أدوات تساعد على تهدئة العقل وتحضير الجسم للنوم، لكنها تبقى حلولًا مرحلية لا تتعامل مع جذور المشكلة.

التطبيقات القائمة على العلاج المعرفي السلوكي (TCC-I)
في المقابل، تبرز مجموعة من التطبيقات الأكثر تقدّمًا، المعتمدة على العلاج المعرفي السلوكي للأرق (TCC-I)، وهو العلاج الذي يُعدّ اليوم الأكثر فعالية علميًا في معالجة الأرق المزمن.
من بين هذه التطبيقات Hello Better وSomnio، إضافة إلى Sleepio الذي تُعتمده رسميًا بعض أنظمة الصحة في أوروبا.

وتحاكي هذه البرامج خطوات العلاج التقليدي، إذ تطلب من المستخدم تدوين يوميات نومه، ثم تقدّم خطة شخصية تشمل:

تقليص الوقت في السرير لإعادة ضبط الرابط بين السرير والنوم.

إعادة بناء الأفكار المرتبطة بالنوم والتخلّص من المعتقدات الخاطئة.

تنظيم الإيقاعات اليومية وتحسين العادات المؤثرة على النوم.

وقد أثبتت التجارب السريرية أنّ هذه التطبيقات الرقمية قادرة على تحسين وقت الاستغراق في النوم، وزيادة جودة النوم، بنتائج تقارب العلاج المباشر وجهًا لوجه.

ومع ذلك، يشير البروفسور إيسكورّو إلى أن هذه التقنيات ما تزال محدودة الانتشار في فرنسا وغير مشمولة بالتغطية الصحية، على عكس بعض الدول الأوروبية.

بين الوعد والواقع
لا شك أن تطبيقات النوم أصبحت جزءًا من الحياة اليومية للكثيرين، وهي بالفعل قادرة على تقديم فائدة ملموسة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات طفيفة. لكنها، في الوقت ذاته، قد تخلق اعتمادًا نفسيًا غير ضروري، وقد تقدّم أحيانًا بيانات غير دقيقة عن النوم، مما يزيد القلق بدل تخفيفه.

أما في حالات الأرق الطويل الأمد، أو اضطرابات النوم المعقدة، فإن الاعتماد على هذه الأدوات وحدها قد يؤخر العلاج الحقيقي. فالنوم منظومة بيولوجية ونفسية معقدة، تتداخل فيها عوامل الصحة الجسدية، النفسية، نمط الحياة، وحتى البيئة المحيطة.

ويمكن القول إن تطبيقات النوم تمثل مكمّلًا جيدًا لعادات النوم الصحية، لكنها ليست علاجًا كاملًا. فهي مفيدة للتهدئة وتنظيم الروتين، لكنها لا تغني عن دور الطبيب أو العلاج المتخصص، خاصة عند ظهور أعراض مستمرة أو شديدة.

فالنوم، في النهاية، ليس مجرد أداء وظيفي، بل حجر أساس لصحتنا الجسدية والنفسية… وأي خلل فيه يحتاج إلى إصغاء جاد، لا إلى حلول سريعة فقط.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 2 دجنبر 2025
في نفس الركن