فن وفكر

مُكَلِّبُونَ عَلَى أَجْسَادِنَا... وَغَافِلُونَ عَنْ أَنْفُسِنَا 🎵


أَفِي ٱلْكِلَابِ حِكْمَةٌ نَسِينَا؟
أَمِ ٱلْقُلُوبُ مِنَّا مَا سَقَيْنَا؟

نُدَرِّبُ ٱلصَّيْدَ وَٱلْفِطْنَةَ غَافِلَةٌ،
فَمَنْ يُعَلِّمُنَا إِنْ لَمْ نُرَبِّيْنَا؟



استمع لهذه القصيدة الموسيقية / عدنان بن شقرون


أولئك الذين ما زالوا يحبون القراءة

عَلَّمْتُمُ ٱلْكَلْبَ حَيْثُ ٱلصَّيْدُ مُنْفَتِحٌ،
فَهَلْ عَلَّمْتُمُ ٱلْقَلْبَ ٱلَّذِي ٱنْفَتَحَا؟

تَسُوقُهُ ٱلْغَرِيزَةُ فِي ٱلْفَلَاةِ طَلِقًا،
وَلَا يُبَالِي إِذَا ٱلرُّمْحُ ٱسْتَبَاحَ ٱلضُّحَى.

فَإِنْ سَأَلْتَ: مَنْ ٱلْمُؤَدِّبُ فِي ٱلْفِطَامِ؟
قُلْتُ: ٱللَّهُ، وَٱلْفِطْنَةُ ٱلْمُلْهَمَةُ ٱلرُّؤَى.

يُدَرِّبُ ٱلْجَارِحَاتِ لِيَصْطَفِينَ فَرِيسَةً،
وَيَغْفُلُ ٱلْقَلْبَ عَنْ فَرْقٍ بَيْنَ سَفْكِ ٱلدِّمَا.

فَهَلْ عَلَّمْتُمُ ٱلرُّوحَ ٱلَّتِي ضَلَّتْ طَرِيقًا؟
أَمْ أَنْتُمُ ٱلْمُدَرِّبُونَ وَٱلْقُدْوَةُ ٱلْعَمَى؟

إِنَّ ٱلْكَلَابَ تَفُوزُ إِذْ تَسْتَجِيبُ لِأَمْرِكُمْ،
فَكَيْفَ بِٱلْأُنْفُسِ ٱلْعَصِيَّةِ إِنْ قَسَتْ صِمَا؟

تُطِيعُ غَرِيزَةً، وَتَسْتَقِيمُ بِسَوْطِكُمْ،
وَتَهْوَى ٱلرِّيَاءَ وَإِنْ دَعَاهَا ٱلْهُدَى ٱجْتَنَبَا.

وَمَا عَلَّمْتُمْ بِأَمْرِ ٱللَّهِ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ،
إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنَّ ٱلْهُدَى لِمَنْ نَبَا.

تُرَبُّونَ جَارِحًا لِيَصِيدَ، وَتَنْسَوْنَ نَفْسَكُمْ،
فَتَأْكُلُوهَا إِذَا ٱشْتَهَتْ وَتُسْكِتُوا ٱلصَّدَا.

فَفِيهِ دَرْسٌ لِمَنْ قَرَأَ ٱلْآيَاتِ مُبْصِرًا،
وَلَيْسَ كُلُّ ٱلَّذِي يَقْرَأْ يُحْسِنُ ٱلِاقْتِفَا.

وَفِي ٱلْعِبَارَةِ سِرٌّ لَا يَفُكُّهُ فَاهِمٌ،
إِلَّا إِذَا كَانَ قَلْبُهُ بِٱلنُّورِ قَدْ غُذِّيَا.

تُعَلِّمُونَ وَلَكِنْ فِي ٱلتَّعَلُّمِ عِلَّةٌ،
إِذَا ٱلْمُعَلِّمُ لَا يُفَكِّرُ فِيمَا ٱرْتَوَى.

فَفِيمَ تَسْعَى إِذَا ٱلْفِهْمُ غَابَ وَضَاعَ،
وَصَارَ كُلُّ ٱلَّذِي تَفْعَلُهُ لِأَذًى جَرَى؟

عَلِّمْ قَلْبَكَ أَوَّلًا، وَكُنْ بِهِ رَاعِيًا،
فَمَنْ سَقَى نَفْسَهُ، ٱلْخَلْقُ مِنْهُ قَدِ ٱرْتَوَى.

القصيدة تسلط الضوء على مفارقة عميقة بين قدرتنا على تدريب الجوارح من الحيوانات للصيد، وبين عجزنا عن تهذيب أنفسنا وقلوبنا.

 فهي تطرح تساؤلات روحية وأخلاقية حول من هو الأولى بالتربية: الحيوان أم الإنسان؟ فبينما نُعلِّم الكلاب أن تطيع وتُصيب الهدف بدقة، نُهمل نفوسنا التي تتخبط في الشهوات والرياء والغفلة. الشاعر ينتقد هذا الخلل القيمي، ويستعمل لغة قوية وصورًا شعرية مؤثرة لتذكير القارئ بأن التربية الحقيقية تبدأ من الداخل، من القلب والعقل والنية. كما يؤكد على أن الهداية من الله، وأن العلم والتقوى ليسا مجرد سلوك ظاهري، بل جذور تتغذى من نور إلهي. في الختام، يدعو الشاعر إلى أن نُعلِّم أنفسنا أولًا، لأن من سقى قلبه بالحكمة، سقى من حوله دون أن يشعر. هي صرخة واعية، تستنهض الإنسان ليعود إلى ذاته، ويعكس توازنًا أخلاقيًّا وروحيًّا في زمن فقد فيه كثيرون البوصلة.

اكتشف المزيد من أعمال المؤلف عدنان بن شقرون





الأحد 27 يوليو/جويلية 2025
في نفس الركن