اللقاءات التي جمعته بكبار المسؤولين الجزائريين، وعلى رأسهم الرئيس عبد المجيد تبون ووزير الخارجية أحمد عطاف، لم تخرج عن هذا الإطار، إذ حرص بولس على إعادة التأكيد على ثبات الموقف الأمريكي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي، التي لطالما حظيت بدعم واسع من المجتمع الدولي، واعتُبرت من طرف العواصم المؤثرة "جادّة وذات مصداقية". وبذلك، يكون بولس قد كرّس استمرار السياسة الأمريكية التي أطلقتها إدارة ترامب، ووضعت واشنطن بشكل رسمي في صف سيادة المغرب على كامل ترابه.
في تصريحات نقلتها صحيفة "الوطن" الجزائرية، لم يترك بولس مجالًا للتأويل، إذ أوضح أن دعم الولايات المتحدة لمقترح الحكم الذاتي ليس موقفًا عابرًا، بل هو تعبير عن رؤية استراتيجية قائمة على الواقعية السياسية، والرغبة في تفادي العبث السياسي الذي استنزف المنطقة لعقود. ومن خلال إشادته بصراحة الحوار مع الجانب الجزائري، بدا جلياً أن واشنطن تتعامل مع الجزائر كطرف يجب أن يُشرك في الحل، لا كطرف محايد، وهو ما يُعيد رسم خريطة النزاع كما يراها المغرب تماماً.
الرسائل الأمريكية التي حملها بولس إلى الجزائر لم تخلُ من دعوة واضحة لتجاوز منطق التصلب العقيم، والانخراط الجاد في مفاوضات مسؤولة، تتخذ من الحكم الذاتي قاعدة للحل. وفي هذا السياق، أكد أن بلاده، سواء في عهد ترامب أو في الإدارات التي تلت، تؤمن بأن حل النزاع يمر حتماً عبر التفاوض مع المغرب، لا ضده، وبأن أي صيغة تتجاوز هذه المقاربة الواقعية لن تجد سبيلها للتنفيذ.
هذه المواقف ليست معزولة عن تطورات الواقع الجيوسياسي في شمال إفريقيا، حيث يزداد الوعي الدولي بأن استقرار المنطقة يمر عبر الاعتراف بالدور المغربي كقوة مسؤولة، تطرح حلولاً ناضجة بدلاً من شعارات الانفصال التي تغذيها جهات لا تزال رهينة سرديات الحرب الباردة. ومن هذا المنطلق، يبدو أن الولايات المتحدة، ومعها العديد من الدول المؤثرة، بدأت تدرك أن الجزائر مطالبة بتعديل مقاربتها القديمة، والانخراط في مسار سياسي جديد يعترف بمركزية المبادرة المغربية.