أسرتنا

مشاركة المسؤوليات المنزلية بين الزوجين : واقع وتحديات القرن الواحد والعشرين


شهدت الأسرة المغربية في السنوات الأخيرة تحولات عميقة على مستوى الأدوار التي يتولاها كل من الرجل والمرأة، وهو ما أفضى إلى نوع من الاختلال يثير الكثير من النقاشات حول التوازن الأسري واستقرار العلاقات الزوجية. فبينما تتزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، تجد المرأة نفسها مطالبة بأن تكون عاملة منتجة في المجتمع، وربّة منزل، ومربية للأطفال، في حين يُتوقع من الرجل أن يكون المعيل المالي الرئيسي، وأحياناً الحامي والمربي، وهو ما يخلق فجوة بين توقعات المجتمع والقدرة الفعلية للأفراد على تلبية تلك التوقعات.



لقد أظهرت الدراسات الحديثة أن هذه الاختلالات تؤدي إلى شعور بالإرهاق النفسي والضغط المستمر لدى الزوجين، خاصة عند محاولة الجمع بين العمل والحياة الأسرية. فالمرأة العاملة، على سبيل المثال، قد تشعر بالذنب لأنها لا تستطيع تخصيص وقت كافٍ للأطفال أو للزوج، بينما قد يشعر الرجل بالضغط لتأمين الموارد المالية وتوفير الاستقرار الأسري، ما ينعكس على نوعية العلاقات الزوجية ويزيد من احتمالية النزاعات.
 

الأمر يتفاقم في غياب توزيع واضح للأدوار المنزلية. كثير من النساء يواجهن صعوبة في مشاركة الأزواج للمهام اليومية مثل الطبخ، التنظيف، متابعة الدروس المنزلية للأطفال، الأمر الذي يترك عبئاً مضاعفاً على المرأة. وفي المقابل، يعاني بعض الرجال من صعوبة التكيف مع التغيير الاجتماعي الذي يدعو لمساهمة فعلية في تربية الأطفال وتنظيم المنزل، وهو ما يجعلهم عرضة للانتقاد والضغط النفسي.
 

الجانب النفسي لهذه الاختلالات لا يقل خطورة عن الجانب العملي. فغياب التوازن يؤدي إلى شعور كلا الطرفين بالإحباط، ويمكن أن يضعف الحميمية بين الزوجين، ويزيد من احتمال الانفصال العاطفي أو ما يُعرف بـ"الطلاق الصامت". كما ينعكس هذا الوضع على الأطفال الذين يكبرون في بيئة يفتقر فيها التنسيق بين الوالدين، ما قد يؤثر على شخصياتهم ونمط تفاعلهم الاجتماعي.
 

حل هذه الإشكالية يبدأ من الحوار المستمر بين الزوجين، وإعادة النظر في التوزيع العملي للأدوار بحيث يأخذ كل طرف نصيبه بشكل متوازن. دعم المجتمع من خلال سياسات تشجع على التشارك في المسؤوليات، مثل إجازات الأبوة وإمكانية العمل عن بعد، يمكن أن يقلل من الضغط على الأسرة. كما أن التربية المبكرة للأطفال على مفهوم المشاركة والتعاون بين الجنسين تساعد في بناء نموذج أسري صحي ومستدام.
 

إن اختلال الأدوار بين الرجل والمرأة ليس مجرد مسألة فردية، بل هو انعكاس لتحولات اجتماعية أوسع تشمل العمل، التعليم، والثقافة المجتمعية. فمع مرور الوقت، يصبح التحدي الحقيقي هو قدرة الأسرة على التكيف مع هذه التحولات بطريقة تحافظ على التوازن النفسي والمادي لأفرادها، وتضمن تنشئة أطفال قادرين على التعاطي مع مجتمع متغير ومتطلب.
 

في النهاية، يبقى الهدف الأسمى هو تحقيق شراكة حقيقية بين الرجل والمرأة في إدارة الحياة الأسرية، بحيث يتمكن كلاهما من ممارسة أدواره بفعالية ورضا، دون أن يكون أحدهما ضحية للضغط الاجتماعي أو الاقتصادي، ويصبح كل منهما داعماً للآخر في رحلة بناء أسرة متكاملة ومستقرة.


الأدوار الأسرية، المرأة المغربية، الرجل المغربي، ضغوط العمل، التربية


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 8 أكتوبر 2025
في نفس الركن