أسرتنا

لماذا نحب الروتين رغم أننا نشكو منه؟


غالبا ما نسمع الناس يقولون: "الحياة ولات روتين… خاصّي نبدّل شوية".
لكن في المقابل، يشعر الكثيرون بتوتر شديد حين تتغير أبسط تفاصيل يومهم: ساعة الاستيقاظ، مكان الجلوس في العمل، أو حتى تغيير ترتيب الأثاث في المنزل.



الروتين… صديق خفيّ يوفر لنا الأمان

من منظور علم النفس العصبي، الدماغ لا يحبّ المفاجآت. كلما كان اليوم واضحا ويمكن توقعه، كلما شعر الإنسان بأمان أكبر.
يقول الخبراء إن الروتين اليومي يشتغل مثل “الهيكل العظمي” للحياة: يوفر دعائم ثابتة تمنعنا من السقوط وسط فوضى الضغوط والقرارات اليومية.
ولهذا السبب:
 
الطفل يهدأ حين يكرر نفس طقوس النوم الطالب يركز حين يعتمد جدول يومي وحتى الراشد يجد راحته حين يعرف ماذا سيفعل صباح الغد الروتين ليس مللا إجباريّا، بل استقرار نحتاجه.
 
لماذا نشعر بالضيق إذن؟
المشكل ليس في الروتين نفسه، بل في الروتين الخالي من المعنى. حين تتحول الأيام إلى سلسلة من المهام الآلية بدون متعة أو هدف، يبدأ الإحساس بالاختناق. لكن في المقابل، حين تكون للروتين "روح" و"قيمة شخصية"، يصبح مصدر طاقة.
الفرق بسيط لكن مهم:
 
روتين ممل روتين صحي متكرر بلا معنى متكرر لكنه يريحك مفروض اختياري لا يدعم أهدافك يساعدك على التطور يولد ضغطا يمنح وضوحا
الطقوس اليومية… سرّ الهدوء الداخلي
في علم النفس الإيجابي، تسمى الطقوس الصغيرة Micro-Habits.وهي عادات تبدو بسيطة لكنها تترك أثرا كبيرا على المزاج. أمثلة مغربية بسيطة جدًا:
 
جلسة قصيرة مع كأس أتاي في الصباح ترتيب السرير قبل الخروج تنظيف مكتب العمل قبل البدء سماع دعاء أو موسيقى هادئة وقت الإفطار
هذه الطقوس هي التي تعطي لليوم شكله وللحياة نغمتها. إنها عادات صغيرة… بفاعلية كبيرة.
 
 دماغنا يحب "التوقع" أكثر مما يحب "النجاح"
أثبتت دراسات أن الدماغ يفرز "الدوبامين" ليس أثناء الوصول للهدف فقط، بل أثناء توقعه. والروتين يجعل هذا التوقع ممكنا. مثلا:
حين تعلم أنك ستأخذ قهوة معينة من مقهى معين في وقت معين… الدماغ يبدأ في توليد المتعة قبل أن تشرب القهوة أصلا. إنها "مكافآت صغيرة" لكن متواصلة.
 
أين يأتي الشعور بالملل إذن؟
المشكل ليس الروتين… بل الرتابة. الرتابة تعني:
غياب الجديد انعدام التحدي عدم وجود لحظات تثير الحواس
ولذلك، يحتاج الدماغ إلى "رشّة تجديد" من حين لآخر.
 
كيف نعطي للحياة نكهة جديدة… داخل نفس الروتين؟
القاعدة الذهبية: لا تغير الروتين… غيّر طريقة عيشه. أمثلة صغيرة لكنها فعّالة:
 
تغيير الطريق للعمل من مرة لأخرى تجربة قهوة جديدة أو نكهة مختلفة قراءة نوع آخر من الكتب إدخال موعد رياضي أو هواية بسيطة تجديد ديكور ركن صغير في البيت فقط
هذا ما يسميه الخبراء: Micro-Adventure أي مغامرات صغيرة تعطي للحياة نضارة دون إحداث فوضى.
 
الروتين يساعدنا على اتخاذ قرارات أفضل
حين تكون أجزاء من يومك “آلية”، تبقى طاقتك الذهنية محفوظة لما هو أهم. هذا ما يفسر:
 
لماذا يلبس كبار المديرين نفس النمط من الملابس يوميا لماذا الرياضيون المحترفون يعتمدون طقوسا ثابتة لماذا الأمهات يعتمدن جداول يومية واضحة الروتين يقلل من "تعب القرار" ويحسن التركيز 40% حسب دراسات.
 
الروتين والصحة النفسية… علاقة أقوى مما نعتقد
علماء النفس يؤكدون أن الأشخاص الذين يملكون روتينا ثابتا:
-ينامون أفضل
-يشعرون بأقل قلق
-يتعاملون مع التوتر بشكل أسرع
-يحققون أهدافهم بطريقة منظمة
ولهذا نجد أن حتى خلال فترات الأزمات، ينصح الخبراء بإعادة تنظيم الروتين لأنه يعيد الإحساس بالسيطرة.
 
 الروتين ليس سجنا… بل أساس الحرية
الإنسان يحتاج شيئين متناقضين ولكنهما مكملان: استقرار الروتين + متعة التجديدالروتين يمنحنا الأرضية، والتجديد يمنحنا الهواء.
وحين يجتمعان، تصبح الحياة متوازنة أكثر… وهادئة أكثر… وقريبة من الذات أكثر.




الأربعاء 3 دجنبر 2025
في نفس الركن