أخبار بلا حدود

كمال داود: الفكر الحر في مواجهة القمع العابر للحدود


في خطوة تثير القلق على مستقبل حرية التعبير في المنطقة المغاربية، اضطر الروائي الجزائري-الفرنسي كمال داود إلى إلغاء زيارة ثقافية كانت مقررة إلى إيطاليا منتصف يونيو الجاري. هذه الزيارة، التي كانت تهدف إلى لقاء جمهوره في مهرجان ثقافي يحمل اسم "لا ميلازيانا"، تحولت إلى تهديد حقيقي للكاتب بعدما تبين وجود محاولة لاستدراجه نحو كمين قضائي معدّ بعناية، يفضي إلى توقيفه وتسليمه إلى السلطات الجزائرية.



محاولة استدراج تحت غطاء القانون
وفقًا لما نشرته صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية، فإن قاضياً محلياً أعطى موافقة مبدئية على توقيف كمال داود فور وصوله إلى مطار ميلانو، بناءً على مذكرتي توقيف دوليتين صادرتين من القضاء الجزائري. الغريب في الأمر أن هذه المذكرات لا تتعلق بأي جريمة جنائية أو أعمال عنف، بل ترتبط مباشرة بمضامين رواية كتبها داود، والتي اعتبرتها السلطات الجزائرية "مُخلّة" أو "معادية للدولة".

هذا التصعيد يكشف عن محاولة واضحة لتوظيف القانون الدولي كأداة لقمع الفكر الحر واستهداف الأصوات المعارضة، حتى خارج الحدود الوطنية. وهو ما يثير تساؤلات حول مدى احترام سيادة الدول الأوروبية لحقوق الإنسان وحرية التعبير، حين يتعلق الأمر بملاحقات سياسية متنكرة في هيئة إجراءات قانونية.

كمال داود: صوت الحرية في مواجهة السلطة
كمال داود، الذي لمع اسمه في الأوساط الأدبية العالمية بعد فوزه بجائزة غونكور لعام 2024 عن روايته "الحوريات"، لم يكن في طريقه إلى عمل سياسي أو تخريبي. بل كان يستعد للمشاركة في مهرجان ثقافي راقٍ يهدف إلى تعزيز الحوار الثقافي. لكن مسيرته الأدبية ومواقفه الجريئة المنتقدة للفكر المتشدد والسلطة القمعية جعلته هدفًا واضحًا للنظام الجزائري.

داود، المعروف بكتاباته التي تتحدى التابوهات، سبق أن أثار جدلاً واسعًا في الجزائر بسبب انتقاداته العلنية للسلطة السياسية والدينية. وها هو اليوم يجد نفسه في مواجهة ملاحقة قضائية عابرة للحدود، تعكس إصرار النظام الجزائري على إسكات الأصوات الحرة أينما وُجدت.

أبعاد دولية لقضية فكرية
القضية تطرح أبعادًا دولية خطيرة، إذ تعكس محاولة النظام الجزائري استغلال الآليات القانونية الدولية لملاحقة معارضيه خارج البلاد. هذا النهج يهدد بتحويل حرية التعبير إلى جريمة يعاقب عليها القانون، ويضع الدول المستقبلة تحت اختبار حقيقي لاحترام حقوق الإنسان.

الكاتب، الذي قرر عدم السفر إلى إيطاليا بعد اكتشاف المخطط، أرسل رسالة واضحة للعالم: الفكر الحر لا يمكن أن يُسجن، حتى لو حاولت الأنظمة القمعية تطويقه بالقوانين والمحاكمات.

ردود فعل المجتمع الثقافي
أثارت هذه القضية ردود فعل واسعة في الأوساط الثقافية الدولية، حيث عبّر العديد من المثقفين والكتّاب عن تضامنهم مع كمال داود. كما دعت منظمات حقوق الإنسان إلى ضرورة التصدي لمحاولات الأنظمة القمعية استخدام القانون الدولي كوسيلة لتصفية الحسابات السياسية مع معارضيها.

حرية التعبير في خطر
ما حدث مع كمال داود ليس مجرد حادثة فردية، بل هو مؤشر على تصاعد القمع ضد حرية التعبير في المنطقة. الأنظمة التي تخشى الكلمة الحرة تسعى اليوم إلى ملاحقة الكتّاب والمثقفين حتى خارج حدودها، في محاولة لإخضاع الفكر لمنطق القوة.

خاتمة: الفكر أقوى من القمع
في النهاية، يبقى كمال داود رمزًا للمثقف الحر الذي يرفض الخضوع للترهيب. ورغم كل المحاولات لإسكاته، فإن صوته سيظل مسموعًا، ليس فقط من خلال كتاباته، بل أيضًا من خلال التضامن الدولي الذي يثبت أن الفكر الحر أقوى من أي نظام قمعي.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 4 يونيو/جوان 2025
في نفس الركن