صحتنا

قطاع الصحة يسير بسرعتين : مستشفيات عمومية مكتظة وعيادات خاصة مزدهرة


بين طوابير الانتظار الطويلة في المستشفيات العامة والراحة الفورية في العيادات الخاصة، يعيش المواطن المغربي اليوم تجربة صحية مزدوجة تكشف عن فجوة اجتماعية واضحة. هل بدأنا، دون قول صريح، نقبل وجود نظام صحي على درجتين، حيث يحدد المال كرامة المريض؟



لم تكشف اللجان البرلمانية أو التقارير التلفزيونية أو الرسمية عن الثغرات الكبيرة في نظام الصحة بأكادير، بل المواطنون العاديون، مسلحون بهواتفهم وإحساسهم بالظلم، هم من أظهروا إخفاقات المستشفى الجامعي الحسن الثاني. صور الممرات المزدحمة، والمرضى المهملين على نقالات، وفتاة صغيرة رفعها والدها احتجاجًا صامتًا، انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي وأثارت موجة غضب واسعة.


كانت الاستجابة للفضيحة سريعة لكنها محدودة : إقالة المديرة الإقليمية للصحة وتدخل شخصي من الوزير للاهتمام بالطفل المتضرر. ومع ذلك، يبقى السؤال قائمًا: ما فائدة التغييرات الإدارية في نظام ينهار من كل الجهات؟

من السهل جدًا حصر الأزمة في سوء إدارة محلية، لكن الحقيقة أعمق. في الدار البيضاء، مراكش، وجدة، طنجة، تتكرر السيناريوهات: أقسام الطوارئ مزدحمة، نقص الأطباء، وطوابير انتظار طويلة جدًا. القطاع العام، المفترض أن يكون العمود الفقري لحق المواطن في الصحة، يتحول شيئًا فشيئًا إلى صالة انتظار لا نهاية لها.

أحد أطباء الطوارئ بالرباط قال لي مؤخرًا بمرارة : "لم نعد نعالج، بل نختار من يُعالج. نقرر من يمكنه الانتظار، ومن يُرسل إلى مكان آخر، ومن لن يحالفه الحظ." هذه الكلمات القاسية تعكس حجم المشكلة الحقيقي.

في المقابل، يزدهر القطاع الخاص. عيادات حديثة، استقبال منظم، معدات متقدمة، وأطباء جاهزون دائمًا. بالنسبة لمن يستطيع الدفع، يمثل القطاع الخاص نموذجًا ناجحًا. بعض العيادات تتقاضى أسعارًا أعلى من أوروبا، ما يدل على وجود الطلب وترسخ الفجوة الاجتماعية.

العائلات من الطبقة المتوسطة تواجه خيارين غالبًا : إما الاقتراض للحصول على علاج سريع في القطاع الخاص، أو الانتظار الطويل في القطاع العام. معادلة غير عادلة تكشف عن وجود صحة مزدوجة: الصحة كخدمة عامة والصحة كسلعة تجارية.


أكادير مثال واضح على هذا التحدي. عزيز أخنوش، كرئيس للحكومة ورئيس الجهة، أصبح محط الانتقادات، متهمًا بالتغاضي عن معاناة مستشفى إقليمي كان من المفترض أن يكون نموذجًا للعناية العامة. رغم تغيير المدراء ومعاقبة بعض المسؤولين، تستمر المشاكل: نقص الكوادر، هجرة الأطباء نحو القطاع الخاص، ونقص التمويل المزمن.

تذكر النقابات الصحية أن المغرب يخصص بالكاد 6٪ من ميزانيته للصحة، مقابل 12٪ الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية. في هذا السياق، كيف يمكن الحديث عن تغطية صحية شاملة وفعالة؟

منذ 2021، شرع المغرب في إصلاح تاريخي: تعميم الحماية الاجتماعية. ملايين المواطنين أصبحوا مغطين الآن بالتأمين الإجباري على المرض (AMO). على الورق، هذه خطوة اجتماعية كبيرة، لكن على أرض الواقع، الحصول على بطاقة تأمين لا يضمن الوصول لطبيب أو سرير بالمستشفى.

أحد المواطنين من تارودانت قال لي: "بطاقتي للAMO مجرد وهم. أظهرها، ويطلبون مني الانتظار شهرين لرؤية متخصص. إذا أردت العلاج حقًا، يجب أن أدفع في القطاع الخاص." شهادته تظهر الخطر في الإصلاحات الناقصة: حق معترف به لكنه غير مُنفّذ فعليًا.

الصحة أصبحت، أكثر من التعليم أو البنية التحتية، مقياسًا للفوارق الاجتماعية. في بلد يطمح فيه الشباب للكرامة، وتقارن فيه الجالية الوضع هنا وأوروبا بمرارة، كل فضيحة صحية تشعر الناس بالصدمة الجماعية.

ومع ذلك، لا ينبغي المبالغة في التشاؤم. هناك تقدم واضح: مستشفيات جديدة قيد الإنشاء، رقمنة الخدمات، وتعزيز قدرات المستشفيات الجامعية الإقليمية. لكن هذه التحسينات بطيئة ومتفاوتة في توزيعها.

هل يجب أن نستسلم لهذه الصحة على درجتين، وكأنها قدر محتوم؟ لا شيء مكتوب بعد. المغرب سبق أن نجح في إصلاح قطاعات معقدة مثل الطاقة والبنية التحتية. الصحة لا يجب أن تكون استثناءً.

التحدي الحقيقي ليس ماليًا فقط، بل أخلاقي وسياسي: هل سنسمح للمال بأن يحدد من له الحق في الحياة ومن عليه انتظار الموت في ممرات المستشفيات العمومية؟

أزمة أكادير على الأقل كان لها أثر إيجابي : أيقظت الضمائر. شبكات التواصل الاجتماعي، رغم عيوبها، ذكرت الجميع بأن وراء الإحصاءات هناك حياة بشرية. والمسؤولون مطالبون اليوم بتحمل مسؤوليتهم التاريخية. فالدولة التي تفشل في رعاية مواطنيها تهدد مصداقيتها. الصحة ليست رفاهية، بل أساس الثقة بين الدولة والمواطنين

الصحة العامة، القطاع الخاص، المستشفيات العامة، العيادات الخاصة، الفوارق الاجتماعية


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 18 شتنبر 2025
في نفس الركن