يأتي هذا القانون الجديد امتدادا لمجموعة من الإصلاحات التي انطلقت منذ سنوات، إذ يستجيب مباشرة للتوجيهات الملكية الداعية إلى تحديث السياسة الجنائية وتعزيز فعالية العدالة، ويترجم روح دستور 2011 الذي جعل من حماية الحقوق والحريات محورًا لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة. ويعكس هذا التغيير رغبة الدولة في بناء منظومة قضائية أكثر إنصافا، وأكثر قربا من المواطن، وأكثر قدرة على مواكبة التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية.
ضمانات جديدة للمحاكمة العادلة وتعزيز ثقة المواطن
ويرى الخبراء أن القانون الجديد لا يكتفي بتعديل إجراءات تقنية، بل يحقق نقلة نوعية في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة. فقد جاء بمجموعة من المقتضيات التي تحصّن حقوق الدفاع وتكرّس قرينة البراءة، وتؤطر الحق في محاكمة داخل أجل معقول، مع توسيع نطاق الاستفادة من المساعدة القانونية. كما يُلزم ضباط الشرطة القضائية بإخبار المشتبه فيه بحقوقه، وتمكينه من الاتصال بمحام منذ اللحظات الأولى، وتوفير خدمات الترجمة عند الحاجة. وهي خطوات تعتبرها الوزارة أساسية لاستعادة ثقة المجتمع في مؤسسة العدالة.
تقليص الاعتقال الاحتياطي وإرساء بدائل حديثة
من أبرز التحوّلات التي جاء بها هذا القانون هو الحد من التوسع في الاعتقال الاحتياطي، الذي ظلّ يشكّل إحدى الإشكالات المتكررة في النقاش الحقوقي والقانوني. فالتشريع الجديد يحصر اللجوء إليه في أضيق نطاق، ويُلزم بتعليل قرارات الإيداع في السجن، كما يتيح اعتماد بدائل احترازية حديثة تتماشى مع القوانين المقارنة. ويمثل هذا التغيير خطوة مهمة نحو تحقيق توازن أفضل بين سلطة المتابعة القضائية وضمان الحرية الفردية.
توسيع حقوق الضحايا وتعزيز الحماية الاجتماعية والقانونية
في المقابل، يمنح القانون الجديد للضحايا مكانة أوسع داخل المسطرة الجنائية. فهو يضمن لهم الحق في الإشعار بمآل الدعوى، وفي الدعم القانوني والاجتماعي، مع توفير تدابير خاصة للنساء والأطفال ضحايا العنف. ويرتبط هذا التوجه بفلسفة شمولية تتعامل مع الضحية باعتبارها طرفا مركزيا في منظومة العدالة، لا مجرد كيان هامشي في المسطرة.
ولم يقتصر الإصلاح على الجانب الإجرائي، بل أرسى آليات جديدة ذات طابع علمي، أهمها إحداث "مرصد وطني للإجرام" الذي سيعمل على جمع وتحليل المعطيات وتوجيه السياسة الجنائية على أسس علمية دقيقة. ويعكس هذا التوجه رغبة المغرب في الانتقال من التشريع المناسباتي إلى سياسة جنائية مبنية على البيانات.
وهبي: القانون الجديد ركيزة لإصلاحات كبرى وثقة في المؤسسات
وفي هذا السياق، أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي أن دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ يشكل لبنة أساسية في البناء الإصلاحي الذي تشهده البلاد، ويبرز ثقة الدولة في مؤسساتها وقدرتها على تنزيل مشاريع إصلاحية ذات أثر طويل المدى. وأضاف أن هذا الورش يندرج ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز موقع المغرب كدولة مؤسسات وقانون، ونموذج إقليمي في تحديث العدالة.
العدالة كرافعة للاستحقاقات الوطنية ومكانة المغرب الدولية
وأشار الوزير إلى أن الإصلاحات الحالية للمنظومة القضائية ليست معزولة عن الدينامية الوطنية الشاملة، بل تُعدّ جزءا من الاستعداد المبكر للاستحقاقات الكبرى المقبلة، وعلى رأسها احتضان المغرب لكأس العالم 2030. فوجود عدالة حديثة وفعّالة يشكّل، بحسبه، ركيزة لتعزيز جاذبية المغرب الاستثمارية والدولية، وتكريس صورته كبلد مستقر وقادر على بناء مؤسسات قوية تحظى بالثقة