صحتنا

فضيحة الشهادات الطبية… بين انحراف الممارسة وأزمة المنظومة الصحية


أثار اعتقال طبيب ومساعدته بتهمة المتاجرة في الشهادات الطبية جدلاً واسعاً في الأوساط المهنية والرأي العام، بالنظر إلى خطورة الفعل وما يمثله من مساس بأخلاقيات المهنة وشرفها. غير أن الاقتصار على إدانة الطبيب وحده يغفل جانباً أساسياً من جذور الأزمة، يتمثل في تقاعس الحكومة ووزارة الصحة عن توفير الظروف الملائمة التي تمكّن الأطباء من أداء رسالتهم النبيلة بكرامة.



فالطبيب في المغرب، سواء في القطاع العام أو الخاص، ليس مجرد موظف يتقاضى راتباً هزيلاً، بل إنسان يواجه تحديات يومية ترتبط بغلاء المعيشة، السكن، تعليم الأبناء، والنقل. وعندما يجد نفسه عاجزاً عن تغطية هذه الالتزامات، يصبح أكثر عرضة للانزلاق نحو ممارسات غير مشروعة تعوّض هذا الخصاص، حتى وإن كانت على حساب قيم المهنة.

ورغم أن الغالبية الساحقة من الأطباء مخلصون لواجبهم، فإن السياسة العمومية الحالية تهمش هذا القطاع الحيوي، وتبخس رواتب الأطباء وتثقل كاهلهم بالضرائب والرسوم، ما يدفع بعضهم إلى البحث عن مداخيل إضافية بطرق ملتوية. الأمر الذي يفرض إعادة النظر في منظومة الأجور والتحفيزات، وتخفيف الأعباء المالية والإدارية عن الأطباء، حتى يتفرغوا لأداء رسالتهم الإنسانية بعيداً عن الضغوط المعيشية.

إن الحكومة ووزارة الصحة تتحملان مسؤولية مباشرة في هذه الاختلالات. فبدلاً من الاقتصار على معاقبة الأفراد، يجب فتح نقاش وطني جاد حول مكانة الطبيب في المجتمع، وإرساء سياسة عادلة تضمن له أجراً لائقاً وسكناً محترماً ووسائل عيش كريمة. إصلاح أوضاع الأطباء ليس ترفاً، بل شرط أساسي لضمان خدمة صحية عمومية ذات جودة، وحماية المريض من كل أشكال التلاعب والمتاجرة في الشهادات الطبية وغيرها.

بهذا المعنى، تصبح فضيحة الشهادات الطبية جرس إنذار جديداً يؤكد أن أزمة الصحة في المغرب لا تختزل في ممارسات فردية منحرفة، بل في منظومة مهترئة تحتاج إلى إصلاح جذري يعيد الاعتبار للأطباء ويصون ثقة المواطن في قطاع الصحة.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 11 شتنبر 2025
في نفس الركن