البيانات المائية ليست مجرد أرقام تقنية، بل شرط مسبق لأي تخطيط، وأداة مركزية لاتخاذ القرار، وتوزيع الموارد بعدل. ورغم إدراك المسؤولين لأهمية هذه البيانات، فإن البنية المؤسساتية تعاني من تشتت في الجهات المنتجة للمعطيات، وضعف في التنسيق، وغياب ثقافة الانفتاح والشفافية. كل مؤسسة تعمل بشكل منفصل، وغالبًا ما تُعتبر المعلومة ملكاً خاصاً لا يُشارك.
النتيجة أن السياسات العمومية غالباً ما تُبنى على قرارات غير مؤسسة على قاعدة علمية واضحة. مشاريع ضخمة، مثل تحلية المياه أو نقلها بين الأحواض، تُطلق دون رؤية دقيقة لمستوى العرض والطلب الفعلي. ويتم منح تراخيص لضخ المياه الجوفية دون إدراك حجم العجز الذي تسببه. هذا الارتجال يُعقّد الأزمة ويزيد من حدّتها.
في خلفية هذا الضعف المعرفي، توجد بنية تحتية متقادمة: محطات قياس تعود إلى عقود مضت، أدوات غير رقمية، ومناطق شاسعة لا تغطيها أي أجهزة مراقبة. ولا يُتاح للباحثين أو للرأي العام سوى القليل من هذه المعطيات، ما يُعطل إمكانيات الرقابة المجتمعية والابتكار التكنولوجي.
إزاء هذا الواقع، يبرز تحدي بناء "سيادة رقمية" على الماء. ويعني ذلك إحداث تحول بنيوي في طريقة جمع المعطيات، وتوحيد المنصات الرقمية، وتطوير قاعدة بيانات وطنية مفتوحة تُنسق بين مختلف الفاعلين. إنها ليست مسألة تكنولوجية فقط، بل خيار سياسي لتجديد علاقة الدولة بالموارد والمواطنين.
بعض التجارب الناشئة في أحواض كـ "سبو" و"تانسيفت" أظهرت جدوى الاعتماد على تقنيات مثل الأقمار الصناعية، أو قواعد البيانات المفتوحة، لكن نطاقها لا يزال محدوداً.
في نهاية المطاف، لا يمكن للمغرب أن يُدبّر أزمة الماء بعينين مغمضتين. الحاجة اليوم ليست فقط إلى الماء، بل إلى معرفة علمية دقيقة بمصادره، استهلاكه، وتوزيعه. فالعطش يبدأ من غياب المعلومة. والسيادة الحقيقية على الموارد تبدأ بالسيطرة على المعرفة