أخبار بلا حدود

غزة بعد توقف الحرب… انهيار إنساني متواصل وحراك سياسي بحثًا عن مخرج


رغم توقف العمليات العسكرية، لا يزال قطاع غزة يعيش على وقع انهيار شامل في الخدمات الأساسية، في مشهد إنساني ينذر بتداعيات خطيرة على حياة السكان. فقد دخلت البلديات في حالة شلل شبه تام نتيجة انقطاع الكهرباء ونقص الوقود، ما انعكس مباشرة على خدمات المياه والصرف الصحي وجمع النفايات، مفاقمًا الأوضاع الصحية والبيئية في القطاع المحاصر.



تحركات سياسية على وقع الأزمة

وعلى المستوى الصحي، خلّفت الحرب دمارًا واسعًا في البنية التحتية، حيث دمّرت إسرائيل 28 مستشفى من أصل 35، فيما لا تزال القيود المفروضة على إدخال المعدات والمستلزمات الطبية قائمة، رغم الالتزامات المعلنة ضمن الخطة التي تحدث عنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي تنص على إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا. هذا الواقع أدى إلى عجز المنظومة الصحية عن الاستجابة للاحتياجات المتزايدة، خاصة مع ارتفاع أعداد المصابين وانتشار الأمراض.

أما قطاع التعليم، فقد تلقى ضربة قاسية بدوره، إذ حُرم نحو 660 ألف طفل من التعليم للسنة الثالثة على التوالي، في ظل تدمير المدارس وتحويل بعضها إلى مراكز إيواء، وغياب أي أفق واضح لإعادة العملية التعليمية، ما ينذر بجيل كامل مهدد بالضياع.

وفي تحذير لافت، صنّفت الأمم المتحدة عام 2025 بأنه الأكثر فتكًا بسبب الجوع في قطاع غزة، مؤكدة أن العمليات الإنسانية باتت مهددة بالانهيار نتيجة العراقيل الإسرائيلية المستمرة، سواء عبر القيود المفروضة على المعابر أو عرقلة عمل المنظمات الإغاثية، الأمر الذي يفاقم أزمة الأمن الغذائي ويضع مئات الآلاف على حافة المجاعة.

سياسيًا، تتواصل التحركات الدبلوماسية لمحاولة إدارة المرحلة التالية من وقف إطلاق النار. فقد أعلن مسؤول في البيت الأبيض أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يلتقي، اليوم الجمعة في مدينة ميامي، مسؤولين من قطر ومصر وتركيا، لمناقشة تطورات وقف إطلاق النار والمرحلة المقبلة في قطاع غزة، وسط مساعٍ لإيجاد ترتيبات سياسية وأمنية جديدة.

في المقابل، عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اجتماعًا أمنيًا مصغرًا للمجلس الوزاري الأمني (الكابنيت) مساء أمس الخميس، خُصص لبحث تطورات المرحلة الثانية في غزة، إلى جانب السيناريوهات السياسية الإقليمية والدولية المرتبطة بها. ووفق ما أفادت به قناة “كان” التابعة لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية، فقد ناقش الاجتماع الخيارات المطروحة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة، والتعقيدات الميدانية والإنسانية القائمة.

وبينما تتكثف اللقاءات السياسية، يظل الواقع الإنساني في غزة أكثر قسوة من أي وقت مضى. فغياب إعادة الإعمار، واستمرار القيود على المساعدات، وتآكل الخدمات الأساسية، كلها عوامل تعمّق معاناة السكان، وتطرح تساؤلات جدية حول جدوى أي ترتيبات سياسية لا تُترجم إلى تحسين ملموس في حياة المدنيين.

وفي ظل هذا المشهد، يبقى التحدي الحقيقي أمام المجتمع الدولي هو تحويل وقف الحرب إلى وقف فعلي للكارثة الإنسانية، عبر ضمان تدفق المساعدات دون عوائق، وإعادة تشغيل المرافق الحيوية، وحماية حق السكان في الصحة والتعليم والغذاء، باعتبارها شروطًا أساسية لأي استقرار مستدام في القطاع.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 19 دجنبر 2025
في نفس الركن