أخبار بلا حدود

غراندي–مارلاسكا : المغرب شريك أخوي يتجاوز حدود الجوار التقليدي


تعكس التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي–مارلاسكا، حجم التحول النوعي الذي تشهده العلاقات المغربية–الإسبانية، إذ اختار المسؤول الإسباني أن يصف هذه المرحلة بـ“الرائعة”، وهي عبارة لم تعد تُستعمل في الخطاب الرسمي إلا للدلالة على مستوى غير مسبوق من التنسيق بين البلدين. وجاءت هذه التصريحات خلال تدشين مركز جديد للحرس المدني بمحافظة ألباثيتي، في توقيت يسبق انعقاد الدورة الـ13 للاجتماع رفيع المستوى بين البلدين في مدريد، وهو اجتماع يعكس بدوره الإرادة السياسية المتبادلة لتعميق الشراكة الثنائية.



ويرى مراقبون أن إسبانيا، من خلال هذا الخطاب الإيجابي المتكرر، تسعى إلى تثبيت نموذج جديد من العلاقات مع المغرب، يقوم على الثقة المتبادلة والوضوح الاستراتيجي. هذا التحول لا يرتبط فقط بالسياسة الخارجية، بل يتقاطع مع قضايا داخلية كالهجرة، الأمن القومي، والاستقرار الاقتصادي، حيث يعتبر المغرب شريكًا محوريًا في ضمان التوازن الإقليمي.
 

وأشار غراندي–مارلاسكا في كلمته إلى أن الروابط بين البلدين “تقوم على الأخوة والاحترام والمسؤولية”، وهو توصيف يعكس رغبة مدريد في تجاوز منطق التعامل البراغماتي الظرفي نحو بناء شراكة هيكلية طويلة الأمد. وأكد أن الحكومتين تعملان داخل هذا الإطار بروح متناسقة، تسمح بتدبير الملفات الثنائية بروح إيجابية، وتضمن تجاوز أي توترات ظرفية قد تظهر.
 

وفي الجانب الأمني، الذي يشكّل أحد أعمدة التعاون بين الرباط ومدريد، شدّد الوزير الإسباني على أن التنسيق المشترك بلغ “مستويات متميزة”. ويشمل هذا التنسيق مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية، وهي ملفات حساسة يستحيل على أي دولة التعامل معها بمعزل عن محيطها الإقليمي. وتعتبر الأجهزة الأمنية الإسبانية نظيرتها المغربية شريكًا موثوقًا، خصوصًا في ما يتعلق بتبادل المعلومات وتتبع الشبكات الخطيرة العابرة للحدود.
 

وتوسّع غراندي–مارلاسكا في شرح طبيعة الشراكة، مؤكدًا أن العلاقات المغربية–الإسبانية لم تعد تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل أصبحت شاملة لقطاعات اقتصادية وثقافية واجتماعية. فالتدفقات التجارية بين البلدين تعرف نموًا مطردًا، كما يتزايد الحضور الثقافي المتبادل من خلال مبادرات تعليمية وبحثية، في حين تلعب الجالية المغربية الكبيرة في إسبانيا دورًا مهمًا في تعزيز الروابط الاجتماعية بين الشعبين.
 

ويرى المسؤول الإسباني أن حجم التحديات العالمية، من تغير مناخي وأزمات اقتصادية وهجرات مكثفة، يفرض على البلدين توحيد جهودهما، إذ لا يمكن لأي دولة مواجهة هذه التحولات بمفردها. لذلك يصف العلاقات الحالية بأنها “تتجاوز مجرد علاقة جوار”، لتتخذ طابعًا “أخويًا”، يعكس عمق الروابط ومتانتها.
 

في السياق نفسه، يتوقع أن يشكّل الاجتماع رفيع المستوى المرتقب إطارًا للإعلان عن خطوات جديدة تعزز هذا التقارب، سواء عبر اتفاقيات اقتصادية أو مشاريع استراتيجية مشتركة، أو من خلال تعزيز آليات الحوار السياسي المستمر. ويعتبر هذا اللقاء مناسبة لتقييم حصيلة العمل المشترك، ووضع خطة عمل جديدة تواكب التغيرات الإقليمية والدولية.
 

وإذا كانت العلاقات بين الرباط ومدريد قد عرفت عبر التاريخ فترات من التوتر والاختلاف، فإن المرحلة الراهنة تبدو مختلفة تمامًا، إذ يجري الحديث اليوم عن نموذج شراكة مبني على الاستمرارية، ومرتبط بمصالح استراتيجية عميقة لا تتأثر بالخلافات العابرة. وقد ساهمت التحولات الجيوسياسية في الضفة الجنوبية للمتوسط، إضافة إلى أهمية المغرب في الأمن الطاقي والهجرة، في تعزيز أهمية هذا التعاون بالنسبة لإسبانيا


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 4 دجنبر 2025
في نفس الركن