أخبار بلا حدود

عزلة قاتلة: حكاية الشاب التركي الذي توقف عن الحياة دون أن يموت


في حادثة أثارت تعاطفاً واسعاً في تركيا وخارجها، أعلنت السلطات التركية تدخلها لإنقاذ شاب من مدينة هطاي بعد أن بلغ الإهمال الذاتي لديه حدّاً صادماً، إذ امتنع عن الاستحمام لسنوات، وقطع كل صلة له بالعالم الخارجي، مكتفياً بالعزلة والصمت.



وتعود تفاصيل القصة إلى بلاغ تقدّمت به والدة الشاب بارش أوزباي، البالغ من العمر 23 عاماً، بعدما لاحظت انغماسه الكامل في عزلة خانقة أثارت مخاوفها على صحته الجسدية والنفسية. استجابت الشرطة بسرعة للنداء، وانتقلت إلى المنزل لتقييم حالته النفسية والاجتماعية، حيث تم توفير الدعم اللازم له ضمن خطة تهدف إلى إعادة إدماجه في روتين الحياة اليومية تدريجياً.

بارش، الذي كان في الماضي طالباً جامعياً نشيطاً ومفعماً بالحيوية، عاش تحولاً جذرياً بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة. ترك دراسته، وانسحب تدريجياً من العالم الواقعي إلى العوالم الافتراضية عبر الحاسوب والهاتف. ومع مرور الوقت، فقد الاهتمام بمظهره ونظافته الشخصية، فامتنع عن الاستحمام وقص أظافره لسنوات، وفق ما أظهرته الصور التي انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي.

أصدقاؤه الذين عرفوه شاباً اجتماعياً ومرحاً عبّروا عن دهشتهم الكبيرة من حاله الحالي، مؤكدين أن صوره القديمة كانت تعكس وجهاً مختلفاً تماماً: شاباً واثقاً، أنيقاً، محباً للحياة، بينما تكشف الصور الحديثة عن وجه متعب، وجسد أنهكته العزلة والإهمال.

من جانبه، أوضح الممارس النفسي مِرت كارهان أن هذه الحالة تُعدّ مثالاً واضحاً على الاكتئاب الحاد والانعزال الاجتماعي، مشيراً إلى أن فقدان الاهتمام بالحياة وإهمال الاحتياجات الأساسية كالطعام والنظافة يشيران غالباً إلى اضطرابات نفسية عميقة. وأضاف أن الشعور بالفراغ الوجودي دون رغبة حقيقية في الموت، هو علامة مؤلمة على معاناة داخلية خفية يعيشها كثيرون في صمت.

قصة بارش ليست مجرد واقعة فردية، بل جرس إنذار مجتمعي حول تنامي العزلة النفسية بين الشباب، في زمن تُغرق فيه التكنولوجيا الأفراد في عوالم افتراضية باردة، وتُضعف روابطهم الإنسانية الحقيقية. وهي أيضاً دعوة لإعادة النظر في مفهوم “الصحة النفسية” كجزء أساسي من الرفاه الإنساني، لا يقل أهمية عن الجسد أو العمل أو الدراسة.

لقد أنقذت السلطات شاباً من الإهمال، لكن ما يحتاجه بارش اليوم ـ مثل آلاف الشباب في العالم ـ هو من ينقذه من الفراغ الداخلي، ومن يعيد إليه معنى الحياة قبل أن يفقدها تماماً.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 7 نونبر 2025
في نفس الركن