السيد رئيس مجلس النواب،
السيد رئيس مجلس المستشارين،
السيدات والسادة رؤساء الفرق والمجموعات البرلمانية بالغرفتين.
تحية احترام وتقدير،
بمناسبة تخليد اليوم العالمي للعمل البرلماني الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 يونيو، تتشرف العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بمخاطبتكم عبر هذه الرسالة المفتوحة، انطلاقاً من قناعتها الراسخة بأن المؤسسة البرلمانية تمثل صلب البناء الديمقراطي، وضمانة مركزية لحماية الحقوق والحريات، وأداةً رقابية وتشريعية حيوية لترسيخ دولة الحق والقانون.
إن هذا اليوم الأممي يُعد مناسبة للتأمل في أدوار البرلمانات في تعزيز الحكامة والعدالة والشفافية، ويحث على تقوية جسور الثقة بين المواطنين وممثليهم المنتخبين. ولأنكم تمثلون سلطة دستورية مستقلة تشرّع باسم الشعب، وترصد السياسات العمومية، وتسائل الحكومة عن التزاماتها الدولية والوطنية، فإن المسؤولية الملقاة على عاتقكم في مجال حقوق الإنسان هي مسؤولية تاريخية ومزدوجة: مسؤولية تشريعية، ومسؤولية سياسية وأخلاقية.
وإذ تسجل العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بعض المبادرات التشريعية والرقابية الإيجابية، فإنها تدعوكم – بكل احترام – إلى الارتقاء بأداء المؤسسة التشريعية إلى مستوى الانتظارات المجتمعية، في ظل ما تشهده بلادنا من تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة، وما يتخللها من تراجع في بعض المؤشرات الحقوقية.
إن قضايا الحريات العامة، وحرية التعبير، والحق في التنظيم، والعدالة الاجتماعية، وضمانات المحاكمة العادلة، وحقوق المرأة والطفل والأشخاص في وضعية إعاقة، ومناهضة التعذيب، وحماية المدافعات والمدافعين عن الحقوق، يجب أن تكون في صلب أجندة العمل البرلماني، لا فقط من باب التفاعل مع الظرفيات، بل من منطلق الالتزام العميق بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان كما نص عليها الدستور والمواثيق الدولية.
إننا كمنظمة حقوقية وكباقي الجمعيات الحقوقية الجادة وإذ نتابع عن كثب سير عمل مجلسي البرلمان، نعبر لكم بكل أخوية ومسؤولية تاريخيّة عن قلقنا إزاء تراجع هذه المؤسسة الدستورية المحورية، ضمن كل منظومة ديمقراطية، في الدفاع عن حقوق المواطنات والمواطنين. فالبرلمان الذ يمثل سلطة دستورية مستقلة يفترض أن تكون حامية للحقوق، يبدو من خلال متابعتنا للواقع التشريعي والرقابي أنه يسجل تراجعًا مقلقًا في أدائه على مستوى حماية حقوق الإنسان. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها:
• غلبة الحسابات السياسية والحزبية الضيقة؛
• ضعف الاستقلالية عن السلطة التنفيذية؛
• ضعف التكوين الحقوقي للعديد من البرلمانيين؛
• غياب الإرادة السياسية لإعطاء قضايا الحقوق والحريات أولوية حقيقية.
ومن منطلق دورنا كجمعية حقوقية وطنية مستقلة، نوجه إليكم هذه الدعوة النابعة من غيرة وطنية ومسؤولية نضالية، إلى:
1. تعزيز الوظيفة التشريعية في اتجاه حماية الحقوق والحريات:
• تسريع إخراج القوانين التنظيمية المتأخرة، و تطوير الحق في تقديم العرائض والملتمسات، ومراجعة قانون الجمعيات، بما يكرّس حرية التنظيم الفعلي.
• ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، وتطهير التشريع الجنائي من النصوص الفضفاضة التي تقيّد حرية التعبير وتلجم الأفواه المعبرة عن رأيها بالعقوبات السالبة للحرية، وتتعارض مع مضمون قانون الصحافة والنشر (المرجو الاطلاع على المذكرة الترافعية التي وضعتها العصبة بين ايديكم سنة 2022)؛
2. تفعيل الوظيفة الرقابية من أجل مساءلة السياسات العمومية:
• تخصيص جلسات مساءلة ومتابعة دورية لأداء الحكومة في مجال احترام الحقوق والحريات.
• مساءلة القطاعات الوزارية حول حرية التعبير، التمييز، الاعتقال التعسفي، حرمان الجمعيات من الوصل القانوني، وحرمان المواطنين من الولوج العادل للعدالة والخدمات العمومية…؛
• دعم دور الهيئات المستقلة (خاصة بعد الهجوم الممنهج الذي باتت تتعرض له هذه المؤسسات من قبل بعض أعضاء الحكومة) من خلال الاستماع لتقاريرها وتوصياتها ومواكبتها تشريعياً؛
3. فتح المؤسسة التشريعية أمام المجتمع المدني:
• مأسسة علاقات التعاون بين الفرق البرلمانية والمنظمات الحقوقية عبر آليات إنصات وهيئات استشارية دائمة، وتنظيم لقاءات دورية، ولما لا التفكير في تخصيص كرسي حقوقي، يفسح فيه المجال للجمعيات الحقوقية للتواصل المباشر مع ممثلي الأمة؛
• تنظيم منتديات دورية مشتركة حول قضايا الحقوق والحريات بمشاركة الفاعلين المدنيين والجامعيين والضحايا؛
• تسهيل مشاركة الجمعيات في تقديم الملتمسات التشريعية ومواكبتها تقنياً وقانونياً؛
4. الدفاع عن القضايا الحقوقية العادلة وطنياً ودولياً:
• رفع الصوت البرلماني دفاعاً عن ضحايا الانتهاكات أياً كان مصدرها.
• الترافع داخل المنظمات البرلمانية الإقليمية والدولية من أجل قضايا حقوق الإنسان، والدفاع عن الشعوب المضطهدة في فلسطين وغيرها.
• حماية حرية المدافعين عن حقوق الإنسان من التضييق، بما في ذلك النواب والفاعلون المدنيون الذين يتعرضون لحملات تشهير وتهديد.
السيدات والسادة رئيسي المجلسين ورؤساء الفرق والمجموعات وأعضاء البرلمان،
إننا في العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان نؤمن بأن البرلمان لا يُقاس فقط بعدد القوانين التي يصادق عليها، بل بمدى جرأته على مواجهة انتهاك الحقوق، واستقلاليته في مساءلة الحكومة، والتزامه بفتح قنوات الحوار مع المجتمع؛ وقد آن الأوان لبرلمان يليق بالمواطن، لا فقط بالدستور، لبرلمان يعيد للسياسة معناها النبيل، وللمسؤولية التشريعية وزنها الحقيقي.
إننا إذ نراسلكم اعتباراً للمسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتقنا، واستحضارها للقيم الوطنية المطوقين، نحن وأنتم، نؤكد لكم استعدادنا للتعاون معكم من أجل خدمة الوطن والمواطنين وتعزيز قيم حقوق الإنسان كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية وفي الدستور المغربي، ونضع انفسنا رهن إشارتكم للقاء بكم، وبسط أمامكم ورقة تتضمن بالتفصيل ملاحظاتنا كجمعيّة حقوقية حول العمل البرلماني المناصر للحقوق والحريات.
مع خالص الاحترام والتقدير،
عن المكتب المركزي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان
الرباط، في 30 يونيو 2025