أخبار بلا حدود

دييلا : وزيرة الذكاء الاصطناعي في ألبانيا... ثورة إدارية أم مهزلة ديمقراطية؟


شهد البرلمان الألباني مؤخرًا حدثًا غير مسبوق على المستوى العالمي : تعيين وزيرة افتراضية بالكامل، تُدعى «دييلا»، لا تنتمي لأي حزب، ولا تمتلك جواز سفر أو راتب، ولا حتى جسدًا بشريًا. هذه الوزيرة، المولَّدة عبر الذكاء الاصطناعي، كلِّفت بالإشراف على الصفقات العمومية ومحاربة الفساد. الحكومة تعتبرها خطوة نحو إدارة عامة أكثر نقاءً، فيما ترى المعارضة فيها تهديدًا للدستور والديمقراطية. السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم : هل نحن أمام ابتكار إداري جريء أم انزلاق نحو حكم تقني بلا رقابة؟



الاعتراضات القانونية والدستورية

أولى الانتقادات تكمن في مخالفة التعيين لأي قاعدة دستورية. فحسب القانون الألباني، يجب أن يكون الوزير شخصًا له حقوق مدنية ومسؤولية قانونية، قابل للمساءلة أمام البرلمان والمحاكم. الذكاء الاصطناعي لا يتحمل هذه المسؤولية، ولا يمكن استجوابه أو محاسبته. المعارضة وصفت التعيين بالخطوة العبثية، مطالبة المحكمة الدستورية بالتدخل. يبقى التساؤل قائمًا: من يتحمل تبعات القرارات؟ الحكومة، المبرمج، أم لا أحد؟
 

الذكاء الاصطناعي ليس ضمانة للنزاهة
 

دييلا، رغم أنها غير عرضة للرشوة، ليست محصنة من الأخطاء أو الانحياز الخوارزمي. تعتمد على بيانات يُدخلها البشر، وإذا كانت هذه البيانات منقوصة أو متحيزة، فإن القرارات الصادرة عنها ستعكس ذلك. كذلك يطرح السؤال: من يحدد معايير عملها؟ ومن يضمن عدم تفضيلها جهة دون أخرى؟ وبالتالي، يبقى الشفافية في صنع القرار محور النقاش.
 

تعيين افتراضي أم استعراض سياسي؟
 

يرى بعض المراقبين أن الحكومة الألبانية تستغل دييلا لتحسين صورتها داخليًا وخارجيًا، خاصة في ضوء الطموحات الأوروبية. التعيين قد يكون أكثر منه أداة إصلاحية حقيقية، مجرد وسيلة لعلاقات عامة رقمية، تلمع صورة السلطة من دون معالجة التحديات الجوهرية لمحاربة الفساد.
 

الوجه الآخر: أداة للتطوير الإداري
 

من منظور واقعي، الصفقات العمومية في ألبانيا تواجه تحديات عدة، من الرشوة إلى الزبونية. ومن هذا المنطلق، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مساعدًا فعالًا في الرقابة الداخلية، إذا تم تقييده بقواعد صارمة وتحت إشراف بشري مسؤول. دييلا قادرة على تحليل البيانات بسرعة، ورصد المخالفات، وتقديم توصيات شفافة، مما يعزز الإدارة الفعالة ويقلل التدخلات الشخصية.
 

خطوة جريئة نحو الشفافية والمساءلة
 

تعهدت الحكومة بنشر كل قرارات دييلا، وأساليب تقييم العروض العمومية، ومعايير الترشيح، ما يشكل خطوة كبيرة نحو الشفافية. فالآلة لا تمتلك مصالح شخصية أو انحيازات سياسية، وهو ما قد يشكل مكسبًا حقيقيًا في بيئة مليئة بالشبهات.
 

ما قامت به ألبانيا ليس مجرد تجربة محلية، بل فتح نقاشًا عالميًا حول دور الذكاء الاصطناعي في مؤسسات الدولة: هل يمكن أن يكون شريكًا إداريًا؟ أم أنه خطر على جوهر الحكم البشري؟ الفشل في هذه التجربة لن يكون نهاية العالم، بينما النجاح قد يغيّر قواعد اللعبة في الإدارة العامة.
 

دييلا تمثل مرآة لعصرنا : زمن السرعة، والثقة المتزعزعة بالإنسان، والرهان على التقنية. لكنها تطرح أسئلة أساسية : من يحكم؟ من يُحاسب؟ ومن يصوغ القرار؟ ألبانيا بكسرها هذا الحاجز النفسي، وضعت نفسها في قلب نقاش عالمي حول مستقبل الحكم. السؤال لم يعد «هل يمكن أن يحدث ذلك؟»، بل «متى وكيف يتم دمج الذكاء الاصطناعي في السلطة بشكل مسؤول؟». فالتكنولوجيا قد تمنح الكفاءة، لكنها لن تخلق الديمقراطية من تلقاء نفسها.


الذكاء الاصطناعي، ألبانيا، الوزيرة الافتراضية، دييلا، الإدارة العامة، الصفقات العمومية، محاربة الفساد


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 24 شتنبر 2025
في نفس الركن