بقلم : عدنان بنشقرون، كاتب وصحفي
ففي مقابل التبادل الحر بين الحضارات، هناك ما يُشبه الزحف البطيء، الذي يدخل من النوافذ بعدما عجز عن اقتحام الأبواب. زحف ناعم، لكنه فعّال في تغيير الأذواق، والهوية، وطريقة التفكير. وهنا، لا نتحدث عن تلاقح ثقافي، بل عن "مداهمة ثقافية".
حين يكون الانفتاح نابعًا من الوعي
الانفتاح على الآخر ليس تهمة، بل على العكس، الأمم التي عرفت كيف تتفاعل مع الثقافات الأخرى دون أن تفقد روحها، هي الأمم التي تجددت وتطورت. التثاقف – كما يسميه بعض الباحثين – هو تبادل فيه أخذ وعطاء، فيه احترام للخصوصية، وفيه مساحة للاندماج دون الذوبان.
ولعل المغرب من أكثر الأمثلة تعبيرًا عن هذا النموذج: اندماج الأندلسي مع الأمازيغي، وامتزاج الروح الإفريقية بالنفَس المتوسطي. كل ذلك لم يقتل هويتنا، بل جعلها أكثر ثراء ومرونة.
حين يكون التلاقي سببًا في الابتكار
أحيانًا، يكون التلاقح الثقافي مصدر إبداع حقيقي، فنجد في الموسيقى، مثلاً، امتزاج الإيقاع المغربي بالنَّفَس الغربي، في اللغة، نجد الدارجة وقد تبنّت مصطلحات أجنبية لكن أعادت قولبتها بشكل ذكي ومرح. هذا النوع من التفاعل ليس تهديدًا، بل فرصة، شرط أن تبقى لنا حرية الاختيار، لا أن نفرض على أنفسنا ذوقًا لا نعرف مصدره ولا وجهته.
الخطر كل الخطر حين يتحول التفاعل إلى فرض قهري ناعم. حين تصبح البرامج الترفيهية، والإعلانات، وأفلام المنصات، أدوات تُعاد من خلالها صياغة صورة الإنسان المغربي في ذهن نفسه. حين يشعر الشاب المغربي أن النجاح لا يتحقق إلا إذا تشبه بالآخر، وقلّد لهجته، ولبس على طريقته.
ذلك ليست "تبادلًا ثقافيًا". إنها مداهمة ثقافية. غزو بلا جيوش، واحتلال بلا دبابات. لكن نتائجه قد تكون أخطر.
نعم للانفتاح… لا للتماهي مع الغير
لا نطالب بإغلاق الأبواب، ولا نؤمن بمنطق "نحن" ضد "هم". ما نطالب به هو وعي ثقافي، يجعلنا نفرّق بين ما يغني هويتنا وما يُمسخها، بين ما يمنحنا أدوات للتطور، وما يفرض علينا أن نخلع جلودنا كي نصير "مقبولين".
نريد لأبنائنا أن يطّلعوا على الثقافات الأخرى، نعم. أن يتحدثوا لغات متعددة، نعم. لكن لا نريد لهم أن يشعروا بالخجل من أسمائهم، أو أن يختاروا "حياة افتراضية" على حساب واقعهم، فقط لأن "الترند" قال ذلك.
الاختيار هو أساس السيادة
الهوية ليست سجنًا، كما يروج البعض، بل مرآة نُعيد عبرها فهم أنفسنا في كل مرحلة، وإذا فقدنا حرية الاختيار في عالم يفيض بالمحتوى، فقدنا تدريجيًا السيادة على ذواتنا.
فلنفتح الأبواب، نعم، ولكن بوعي. لنرحب بالجديد، ولكن بعين ناقدة. فالحضارات التي تصمد، ليست تلك التي تبني الجدران، بل التي تمتلك بوابات ذكية، تعرف متى تُفتح ومتى تُغلق.
حين يكون الانفتاح نابعًا من الوعي
الانفتاح على الآخر ليس تهمة، بل على العكس، الأمم التي عرفت كيف تتفاعل مع الثقافات الأخرى دون أن تفقد روحها، هي الأمم التي تجددت وتطورت. التثاقف – كما يسميه بعض الباحثين – هو تبادل فيه أخذ وعطاء، فيه احترام للخصوصية، وفيه مساحة للاندماج دون الذوبان.
ولعل المغرب من أكثر الأمثلة تعبيرًا عن هذا النموذج: اندماج الأندلسي مع الأمازيغي، وامتزاج الروح الإفريقية بالنفَس المتوسطي. كل ذلك لم يقتل هويتنا، بل جعلها أكثر ثراء ومرونة.
حين يكون التلاقي سببًا في الابتكار
أحيانًا، يكون التلاقح الثقافي مصدر إبداع حقيقي، فنجد في الموسيقى، مثلاً، امتزاج الإيقاع المغربي بالنَّفَس الغربي، في اللغة، نجد الدارجة وقد تبنّت مصطلحات أجنبية لكن أعادت قولبتها بشكل ذكي ومرح. هذا النوع من التفاعل ليس تهديدًا، بل فرصة، شرط أن تبقى لنا حرية الاختيار، لا أن نفرض على أنفسنا ذوقًا لا نعرف مصدره ولا وجهته.
الخطر كل الخطر حين يتحول التفاعل إلى فرض قهري ناعم. حين تصبح البرامج الترفيهية، والإعلانات، وأفلام المنصات، أدوات تُعاد من خلالها صياغة صورة الإنسان المغربي في ذهن نفسه. حين يشعر الشاب المغربي أن النجاح لا يتحقق إلا إذا تشبه بالآخر، وقلّد لهجته، ولبس على طريقته.
ذلك ليست "تبادلًا ثقافيًا". إنها مداهمة ثقافية. غزو بلا جيوش، واحتلال بلا دبابات. لكن نتائجه قد تكون أخطر.
نعم للانفتاح… لا للتماهي مع الغير
لا نطالب بإغلاق الأبواب، ولا نؤمن بمنطق "نحن" ضد "هم". ما نطالب به هو وعي ثقافي، يجعلنا نفرّق بين ما يغني هويتنا وما يُمسخها، بين ما يمنحنا أدوات للتطور، وما يفرض علينا أن نخلع جلودنا كي نصير "مقبولين".
نريد لأبنائنا أن يطّلعوا على الثقافات الأخرى، نعم. أن يتحدثوا لغات متعددة، نعم. لكن لا نريد لهم أن يشعروا بالخجل من أسمائهم، أو أن يختاروا "حياة افتراضية" على حساب واقعهم، فقط لأن "الترند" قال ذلك.
الاختيار هو أساس السيادة
الهوية ليست سجنًا، كما يروج البعض، بل مرآة نُعيد عبرها فهم أنفسنا في كل مرحلة، وإذا فقدنا حرية الاختيار في عالم يفيض بالمحتوى، فقدنا تدريجيًا السيادة على ذواتنا.
فلنفتح الأبواب، نعم، ولكن بوعي. لنرحب بالجديد، ولكن بعين ناقدة. فالحضارات التي تصمد، ليست تلك التي تبني الجدران، بل التي تمتلك بوابات ذكية، تعرف متى تُفتح ومتى تُغلق.