كتاب الرأي

جحيم الجيران


لا شك أن المنزل هو المساحة الوحيدة في هذا العالم التي يفترض أن تشعر فيها بالأمن والسكينة والحرية والسيادة، لكن ماذا لو تم اختراق هذا الملاذ كل يوم؟ بصوت مزعج، أو كلام ساقط أو رائحة كريهة، وبخوف يتسلل من خلف الجدار المجاور، فيتحول الجار إلى مصدر عذاب يومي بطيء.



بقلم: برعلا زكريا

إنها مشكلة يعرفها الآلاف ويعانون منها خلف أبواب مغلقة. تبدأ القصة غالبا بأمور قد تبدو صغيرة، لكنها تنخر في راحة يومك وليلك. أصوات الموسيقى المرتفعة التي تخترق الجدران في وقت تحتاج فيه إلى السكينة، أو الشجارات العائلية التي لا تود سماعها. ثم يتطور الأمر إلى مخلفات القمامة المتروكة عند عتبة بابك، أو سوء استخدام فاضح للمرافق المشتركة، وكأنها ملكية خاصة لا حق لغيره فيها.

ويزداد هذا الوضع تعقيدا في ظروف ترفع منسوب التوتر، كأيام الصيف الحارقة التي نعيشها. فالأعصاب تكون مشدودة بفعل الطقس، وتزيد العطلة الصيفية من الضجيج في الأحياء التي يضيق فيها المتنفس عن طاقة الأطفال، فتتحول أبسط الخلافات إلى شرارة لمشاكل كبرى.

في حالات أخرى تجد نفسك جارا لشخص يعاني من اضطراب نفسي حاد، يعيش وحيدا دون رعاية أو سؤال. إنها مأساة مزدوجة: مأساته هو في مرضه ووحدته، ومأساتك أنت في خوفك الدائم من سلوكه غير المتوقع. أنت عالق بين الشفقة على حاله، وبين الرعب الحقيقي على سلامة أسرتك، في غياب تام لأي جهة يمكن أن تتدخل.

وفي قلب هذا الواقع المزعج، تتجلى صور أخرى أكثر إيلاما. ففي القنيطرة، وبالقرب من مركز المدينة، توجد مصحة خاصة غنية عن التعريف، وللمفارقة، يجاورها مباشرة ملهى ليلي معروف. وفي الليل، لا يتمكن المرضى من النوم بسبب صوت الموسيقى الصارخ القادم من الملهى. بين هؤلاء المرضى، تجد شيوخا في أمس الحاجة إلى الراحة، وأطفالا يحتاجون للهدوء للتعافي، ونساء حديثات الولادة يفترض أن ينعمن بسكينة تامة.

ومع الخيوط الأولى للصباح، تبدأ قوافل السكارى بالخروج من الملهى، وتبدأ معها المشاجرات وتكسير الزجاج والكلام الساقط الذي يصل مباشرة لآذان قاطني المصحة والسكان المجاورين. هذا الوضع يمثل قمة التناقض: مكان مخصص للشفاء والراحة، يتحول بفعل جاره إلى بؤرة للإزعاج والفوضى. ورغم عدة شكايات ومناشدات، لم يتغير شيء. هذا المثال يعكس كيف يمكن أن يتحول الجار، سواء كان فردا أو مؤسسة، إلى مصدر دائم للقلق يهدد سلامة وحياة من حوله.

لكن المشكلة تتعاظم حين يتجاوز الأذى حدود الإزعاج، ليلامس دائرة الخطر الفعلي. وذلك حين تشعر بأن شقة مجاورة أصبحت بؤرة لتجمعات مشبوهة، أو مصدرا لأفعال تخل بالأخلاق العامة حين يتخلى بعض أصحاب الشقق والمنازل عن أي حس بالمسؤولية تجاه جيرانهم، فيقومون بكراء شققهم لمن هب ودب، دون أدنى اكتراث لسمعة الوافد الجديد أو سلوكه. فيتحول المبنى أو الحي إلى مسرح للسكر والعربدة في ساعات متأخرة من الليل، وتصبح الممرات مكانا لإدخال الغرباء والمشبوهين.
وفي بعد آخر، قد تكون دولة جارة بنظام إدارتها مصدرا للأذى والمكائد والعداء من دون أي سبب سوى العجز والحسد.

لطالما رددنا المقولة الشهيرة "الجار قبل الدار"، إيمانا بقيمة الجيرة الحسنة كركيزة أساسية للاستقرار الاجتماعي والنفسي. ولكن، ماذا نفعل حين يكون هذا الجار هو نفسه مصدر الداء؟ وكيف نوازن بين حقنا في العيش بسلام وواجبنا في الصبر على من يجاورنا؟

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 24 يونيو 2025

في نفس الركن
< >

الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 14:09 "علم الطوبونيميا "وقرية أولاد سعيد


              

آخر الأخبار | حياتنا | صحتنا | فن وفكر | لوديجي ستوديو | كتاب الرأي | هي أخواتها | تكنو لايف | بلاغ صحفي | لوديجي ميديا [L'ODJ Média] | المجلة الأسبوعية لويكاند | اقتصاديات | كلاكسون


Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ
















تحميل مجلة لويكاند







Buy cheap website traffic