أخبار بلا حدود

توقيف شابين في إسبانيا يكشف تعزيز التعاون الأمني بين المغرب وأوروبا في مكافحة التطرف الرقمي


في عملية أمنية نوعية شهدتها بلدة فالفوغونا دي بالاغير بإقليم ليدا الإسباني فجر الخميس الماضي، أوقفت السلطات الإسبانية شابين يبلغان من العمر 24 و26 سنة، يُشتبه في ارتباطهما بالفكر المتطرف وتنظيم "داعش". هذه العملية، التي تعتبر ثمرة تحقيق طويل استمر لما يقارب 18 شهراً، سلطت الضوء على الدور المتزايد للتطرف الرقمي، ما يُعتبر أحد التحديات الأمنية المستجدة في مواجهة الإرهاب العابر للحدود.



ووفقاً للتحقيقات الأولية، كان الموقوفان ينخرطان في ما يُعرف بـ "التلقين الذاتي"، وهو شكل من أشكال التطرف الرقمي الذي تعتمد عليه التنظيمات الإرهابية، حيث كان أحدهما يتردد بانتظام على منصات إلكترونية مشبوهة مرتبطة بـ"داعش"، ويستهلك مواد دعائية مليئة بالتحريض والكراهية. والأسوأ من ذلك، أن أحدهما، المعروف بسجله الإجرامي، لم يقتصر على الاستهلاك فقط، بل انخرط في الترويج لهذه المواد، ما أثار مخاوف من تحوله إلى "مجنّد رقمي" قد يستقطب آخرين لتنفيذ عمليات إرهابية.

وقد نفذت الشرطة الوطنية الإسبانية، بإشراف المحكمة المركزية رقم 1 في مدريد، العملية بصرامة وحذر، حيث تمت مداهمة منزلي المشتبه بهما وحجز أجهزة إلكترونية تُخضع حالياً لتحليلات تقنية معمقة. هذه الأجهزة قد تكشف عن حجم شبكة الاتصال والارتباطات الخارجية، ويُتوقع أن تسفر التحقيقات عن مزيد من التفاصيل حول الشبكات الإجرامية التي قد يكون الموقوفان جزءًا منها.

وفي سياق هذه العملية، أُشير إلى الدور الحاسم للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني المغربية (DGST) في تقديم معلومات استخباراتية أساسية ساعدت على تتبع أنشطة المشتبه فيهما، وتقدير مستوى التهديد، ما ساعد في تسريع التدخل الأمني. وهذا التعاون الاستخباراتي بين المغرب وإسبانيا يعد مؤشرًا على الدور المتزايد الذي يلعبه المغرب في حماية الأمن الأوروبي، ويؤكد أن المملكة لم تعد مجرد شريك ثانوي بل فاعل مركزي في منظومة مكافحة الإرهاب.

وتأتي هذه العملية في وقت تشهد فيه أوروبا مخاطر متزايدة من "الإرهاب الفردي" و"الخلايا الصامتة"، حيث أظهرت تقارير أمنية أوروبية أن التهديدات لم تعد محصورة في المقاتلين العائدين من بؤر التوتر، بل تتوسع لتشمل أفرادًا يتشبعون بالفكر المتطرف عبر الإنترنت ويشكلون تهديدًا مستقبليًا يصعب رصده قبل أن يتحولوا إلى قنابل موقوتة.

وفي هذا الإطار، يعكس التعاون الاستخباراتي المغربي-الإسباني أهمية كبيرة في سد الثغرات الأمنية في مرحلة مبكرة، خاصة مع تنامي استخدام الإنترنت كأداة رئيسية في نشر وترويج الفكر المتطرف. إذ إن قدرة المغرب على تحليل أنماط التطرف وكشف شبكات التنظيمات الإرهابية، إلى جانب امتلاكه قاعدة معلوماتية واسعة تمتد عبر إفريقيا ومنطقة الساحل، تعزز من فعالية هذا التعاون في مواجهة التهديدات المشتركة.

هذا الحادث يؤكد مجددًا أن معركة مكافحة الإرهاب لم تعد معركة محلية أو إقليمية فقط، بل هي جبهة دولية مشتركة. إذ أن تعزيز التنسيق بين البلدان المعنية، خصوصاً بين الرباط ومدريد، يساهم في التحصين المزدوج لكل من المغرب وأوروبا ضد ارتدادات الإرهاب. ويُعد توقيف الشابين في ليدا ضربة استباقية ضد مشروع إرهابي كان يمكن أن يهدد الأرواح الأبرياء، ويُعتبر بمثابة خطوة إضافية نحو تضييق الخناق على محاولات التنظيمات الإرهابية لاستعادة قوتها، سواء من خلال العودة الميدانية أو عبر الإنترنت.

ويُظهر هذا التقدم في التعاون الأمني بين المغرب وأوروبا أن الشبكات الإرهابية أصبحت أكثر تطوراً في استخدام التقنيات الحديثة لتحقيق أهدافها. وفي ظل هذه التحديات المستجدة، يبقى التنسيق الأمني الاستخباراتي بين الرباط ومدريد حجر الزاوية لحماية الأمن الجماعي ومنع عودة شبح الإرهاب إلى السطح.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 19 أغسطس/أوت 2025
في نفس الركن