ووفق أحدث المعطيات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات”، تمكن المغرب من تصدر قائمة موردي الأسمدة إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال سنة 2025، مستحوذًا على حصة سوقية بلغت 19 في المائة من إجمالي الواردات. هذا الرقم لا يعكس فقط ارتفاع حجم الصادرات المغربية، بل يشير إلى تحول في ثقة بروكسل، التي باتت تراهن بشكل متزايد على شركاء قادرين على ضمان استمرارية الإمدادات وتحييد المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالأسواق غير المستقرة.
في المقابل، سجلت قوى تقليدية تراجعًا لافتًا في حضورها داخل السوق الأوروبية، وفي مقدمتها روسيا التي انخفضت حصتها إلى 12.8 في المائة، متبوعة بمصر بنسبة 12 في المائة. ويبرز هذا التراجع أن السوق الأوروبية لم تعد تحكمها فقط اعتبارات السعر أو القرب الجغرافي، بل أصبحت خاضعة لمعادلات أوسع تتعلق بالأمن الاستراتيجي، والاستدامة، والموثوقية السياسية.
وتكشف بيانات “يوروستات” أن التراجع الروسي لم يكن ظرفيًا أو محدودًا، بل جاء في سياق انحدار متواصل طبع سنة 2025 بأكملها، منهيا ثلاث سنوات من الصمود النسبي الذي سجلته صادرات موسكو من الأسمدة نحو أوروبا، رغم العقوبات والتوترات التي أعقبت اندلاع الحرب في أوكرانيا سنة 2022. فبعد أن كانت روسيا تستحوذ على أكثر من ربع واردات الاتحاد الأوروبي مطلع 2025، تقلصت حصتها إلى النصف تقريبًا مع نهاية السنة.
ويعكس هذا المسار بوضوح تسارع سياسة “الفكاك الاقتصادي” التي تنتهجها بروكسل تجاه موسكو، حيث انتقلت من مرحلة التردد وإدارة المخاطر إلى مرحلة إعادة الهيكلة العميقة لسلاسل التوريد، بحثًا عن بدائل مستقرة وقابلة للاستمرار. وفي هذا السياق، يبرز المغرب كخيار استراتيجي، ليس فقط لقدرته الإنتاجية، بل أيضًا لاندماجه المتقدم في المنظومة الاقتصادية الأوروبية.
ولا يمكن فصل هذا التحول القطاعي عن الصورة الأشمل للعلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، التي شهدت خلال 2025 انكماشًا غير مسبوق. فقد أظهرت البيانات أن صادرات الاتحاد نحو روسيا خلال الربع الثالث من السنة لم تتجاوز 7.25 مليارات يورو، مقابل واردات توقفت عند 5.73 مليارات يورو، ما أفرز فائضًا تجاريًا لصالح الاتحاد الأوروبي بلغ نحو 1.5 مليار يورو، في سابقة لم تُسجل منذ بدء توثيق هذه المعطيات مطلع الألفية.
وعلى امتداد الأشهر التسعة الأولى من سنة 2025، تراجعت المبادلات التجارية بين الطرفين بنسبة 12.9 في المائة، ليستقر حجمها عند 43.9 مليار يورو، وهو ما يؤكد أن القطيعة الاقتصادية لم تعد مجرد تداعيات ظرفية للأزمة الأوكرانية، بل تحولت إلى خيار استراتيجي طويل الأمد، يفرض على أوروبا إعادة ترتيب شركائها ومصادر تزويدها الحيوية.
في هذا السياق المتحول، يبدو الصعود المغربي في سوق الأسمدة الأوروبية جزءًا من معادلة أوسع تعيد تشكيل دور المملكة داخل الاقتصاد الأوروبي، من مجرد مزود للمواد الأولية إلى فاعل محوري في قضايا الأمن الغذائي والاستقرار الزراعي. ومع تنامي الضغوط المناخية وارتفاع الطلب على المدخلات الزراعية، يفتح هذا الموقع المتقدم آفاقًا جديدة أمام المغرب لتعزيز شراكاته، وتوسيع حضوره داخل سلاسل القيمة، وترسيخ مكانته كحليف اقتصادي موثوق داخل الفضاء الأوروبي