وأوضحت الشبكة أن هذا التراجع لا يمكن اعتباره مجرد قصور تقني عابر، بل يعكس إخفاقات سياسية وبنيوية في النظام الدوائي الوطني، تؤثر مباشرة على الأمن الصحي للمواطنين. وقد ربطت هذا التراجع بعدة عوامل، أبرزها استمرار ما وصفته بـ“فوضى الأسعار” وهيمنة لوبيات الأدوية، حيث تشهد السوق المحلية أسعاراً لبعض الأدوية تفوق مثيلاتها في دول المنشأ ودول الجوار بأضعاف، في ظل غياب فعّال لتدخل مجلس المنافسة لكبح ممارسات الاحتكار.
كما نبه البلاغ إلى ما وصفه بـ“نزيف الرأسمال البشري”، مع مغادرة أكثر من 200 إطار علمي وتقني للوكالة المغربية للأدوية بسبب بيئة عمل غير محفزة، واستبدال الخبرات المتراكمة بأنماط تعاقدية قصيرة الأجل تفتقر إلى الاستقرار المهني والسيادة المعرفية، ما يهدد قدرة الوكالة على أداء مهامها التنظيمية بفعالية.
وفي مؤشرات الحكامة، سجل التقرير تراجعاً في مستوى الاستقلالية والشفافية، حيث حصلت الوكالة على تقييم ضعيف في المؤشر القانوني والرقابي، ما يعكس، وفق الشبكة، خضوع القرارات التنظيمية لإكراهات إدارية تحد من الفعالية والنجاعة.
وبمقارنة الوضع المغربي مع عدد من الدول الإفريقية، أبرزت الشبكة أن مصر وغانا ونيجيريا ورواندا والسنغال نجحت في تحقيق تصنيف ML3، في وقت يشهد فيه المغرب تراجعاً ملموساً، ما يهدد مشروع السيادة اللقاحية الوطنية ويحد من فرص تصدير المنتوج الدوائي المغربي، ويفوت فرصاً استثمارية واستراتيجية مهمة على المستوى القاري والدولي.
وفي مواجهة هذه الانتكاسة، طالبت الشبكة بإعادة النظر في حكامة وتدبير الوكالة المغربية للأدوية، وفرض مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مع الحد من تدخل الشركات الخاصة في صياغة السياسات الدوائية، والنشر الفوري لتقرير منظمة الصحة العالمية وفتح تحقيق شفاف لتحديد أسباب التراجع وانعكاساته على الأمن الصحي للمواطنين.
كما دعت الشبكة إلى مراجعة جذرية لأسعار الأدوية بالتنسيق مع الجمارك والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لضمان الحق في الولوج إلى الدواء، وتمكين الوكالة من استقلالية فعلية في اتخاذ القرار، ووضع نظام تحفيزي يحفظ كرامة الأطر العلمية ويوقف نزيف الكفاءات.
وشددت الشبكة على ضرورة تفعيل الدور الدستوري لمجلس المنافسة، والانتقال من منطق التوصيات إلى منطق الزجر، لمواجهة ممارسات الاحتكار والاتفاقات المنافية للمنافسة، سواء كانت متعلقة بالأدوية الأصلية أو الجنيسة، مؤكدة أن ضمان المنافسة العادلة يشكل ركيزة أساسية للسيادة الصحية.
واختتمت الشبكة بلاغها بالإعلان عن إحداث “لجنة يقظة وتدقيق” تضم خبراء قانونيين وعلميين، لمتابعة هذا الملف واتخاذ الإجراءات النضالية والقانونية اللازمة، دفاعاً عن الحق في أمن دوائي وصحي شامل للمغاربة، بما يعكس أهمية السيادة الصحية كركيزة أساسية للدولة الاجتماعية وحماية المواطنين من المخاطر الصحية