ويظهر التقرير تبايناً واضحاً في أداء المغرب بين مقاييس الحرية المختلفة، إذ سجل تقدماً ملحوظاً في الحرية الاقتصادية باحتلاله المرتبة 94 عالمياً، ما يعكس فعالية السياسات الاقتصادية والانفتاح التجاري والقدرة على جذب الاستثمارات. بينما أظهر تراجعاً في الحرية الشخصية، حيث جاء في المركز 142 عالمياً، وهو المقياس الذي يقيم حرية التعبير، وحرية الاجتماع والتجمع، واستقلالية النقد والمجتمع المدني، ما يسلط الضوء على التحديات المتبقية أمام تعزيز الحقوق الفردية والحريات العامة في المملكة.
على الصعيدالتاريخي، يوضح المؤشر أن المغرب حافظ على ثبات نسبي في تصنيفه مقارنة بسنتي 2017 و2021، حين كان يحتل المركزين 133 و134 على التوالي، ما يشير إلى قدرة المملكة على الصمود والحفاظ على مكتسباتها رغم التقلبات الدولية والتحديات الإقليمية.
ويبرز التقرير أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شهدت تفاوتاً كبيراً بين الدول، حيث تصدرت إسرائيل قائمة المنطقة، تلتها الأردن والكويت، في حين تذيلت اليمن وإيران وسوريا الترتيب الإقليمي، ما يعكس تأثير النزاعات الداخلية والقيود السياسية على مستوى الحريات في المنطقة. عالمياً، حافظت دول مثل سويسرا والدنمارك ونيوزيلندا على هيمنتها في المراتب الأولى كأكثر الدول تمتعاً بالحرية الإنسانية.
وحذر المعهدان من تراجع الحريات على الصعيد العالمي، مسجلين انكماشاً كبيراً بعد جائحة كورونا، واستمرار مستويات منخفضة رغم مرور أربع سنوات. وأشار التقرير إلى انخفاض حاد في مجالات حرية التعبير، وحرية الحركة، واستقلالية النقد، مؤكداً أن 13.8% فقط من سكان العالم يعيشون في مناطق تتمتع بمستويات عالية من الحرية، مقابل نحو 40% في مناطق تفتقر إلى هذه الحقوق.
وشدد خبراء المعهدين على أن استعادة مستويات الحرية منذ 2021 تعد عاملًا أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة والرفاه الاقتصادي والاجتماعي. وحذروا من الانحدار نحو الاستبداد الذي شهدته دول مثل نيكاراغوا وتركيا وفنزويلا وهونغ كونغ، مؤكّدين أن هذا الانحدار أثر سلباً على استقرارها السياسي، والتنمية البشرية، والجاذبية الاستثمارية.
في ضوء ذلك، يشير التقرير إلى أن المغرب يواجه تحدياً مزدوجاً: من جهة تعزيز مكتسباته في الحرية الاقتصادية، ومن جهة أخرى تحسين مستوى الحريات الشخصية وضمان حرية التعبير واستقلالية النقد. ويبرز هذا التوازن كعنصر جوهري لتعزيز مكانة المملكة في التصنيفات الدولية، وزيادة القدرة على جذب الاستثمارات وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، بما يتماشى مع الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.
ويطرح المؤشر تساؤلات مهمة حول مستقبل الحريات في المملكة والمنطقة، ويعكس الحاجة إلى استراتيجيات إصلاحية شاملة تشمل تعزيز الديمقراطية، دعم المجتمع المدني، وتوسيع المشاركة السياسية، بما يواكب التطلعات الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين ويؤكد قدرة المغرب على المضي قدمًا نحو مزيد من التوازن بين الحرية الاقتصادية والفردية